الاتيان من مثله
دليل أصالة القانون البديهي بتفاوت درجات الكلام ومنازله ، فكان القرآن أعلاها دون
ريب ، وكان معجزا بحق. ولو تساوى الكلام لانتهى الإعجاز ، ولما كان الإعجاز باقيا
كان بالضرورة تفاوت الكلام ، وتفاوت الكلام إنما يتحقق بإيراد المعنى في طرق
بيانية مختلفة وسبل هذه الطرق واضحة ، وركيزتها الأركان الأربعة : المجاز ، التشبيه
، الاستعارة ، الكناية ، والتشبيه والاستعارة جزءان من المجاز ، والكناية تعني
المعاني الثانوية بل معنى المعنى بالضبط ، فأركان البلاغة الأربعة جميعا قائمة على
المجاز بمعناه العام ، وهو المراد. إذن الدلالة المجازية في الألفاظ ، منحة إضافية
تمثل مرونة اللغة في الانتقال ، وتطورها عند الاستعمال. وهذه الدلالة تقوم بعملية
تصوير فني موحية ، بإضافة جملة من المعاني الجديدة التي تدعم الزخم اللغوي ، وتؤنق
في عباراته دون تكلف أو تعسف ، أو اقتراض للمفردات من اللغات الأجنبية أو المجاورة
، لأنها تعود بذلك غنية عن أية استدانة معجمية من أية لغة عالمية أو إقليمية ، هذا
التأنق في اختيار المعاني ، وهذا الأكتفاء في مفردات الألفاظ ، مما يتماشى مع مهمة
البلاغة العربية في مطابقة الكلام لمقتضى الحال ، ومما يتلاءم مع الخصائص
الأسلوبية للمجاز في رفد المخزون الدلالي للألفاظ. لهذا فقد كان سليما ما قرره في
هذا المجال في صديقنا المفضال الدكتور عبد الله الصائغ من اعتباره المجاز « عبارة
عن مغادرة المفردة لدلالتها المعجمية لتموين دلالة جديدة تسهم في الاتساع والتوكيد
والادهاش ».
* * *
والمجاز بعد هذا : هو حلقة الوصل بين
الذات المعبرة وإراداتها المتجددة في المعاني المستحدثة ، وهذا بعينه هو التطور
اللغوي في اللغة الواحدة ذات المناخ العالمي في السيرورة والانتشار. وهما سمة لغة
القرآن.
وهنا يجب أن لا يتطرق في انطباق مفهوم
المجاز وحقيقته
__________________