( محصنين غير مسافحين ) (١) أي : غير مزانين.
وهذا أن كان الأمر كما ذكره ، فهو تعبير بالكناية المهذبة فقد ذكر المسافحة وأراد لازمها.
٧ ـ التعبير بالمحل عن الحال لما بينهما من الملازمة الغالبة كالتعبير : باليد عن القدرة والاستيلاء ، والعين عن الإدراك ، والصدر عن القلب وبالقلب عن العقل ، وبالأفواه عن الألسن ، وبالالسن عن اللغات ، وبالقرية عو قاطنيها ، وبالساحة عن نازليها ، وبالنادي والندي عن أقلهما. وقد ورد كل ذلك في القرآن الكريم.
وهذا كله قسيم بين المجازين اللغوي والعقلي في القرآن الكريم ، وهما جوهر المجاز القرآني. فالتعبير باليد عن القدرة والاستيلاء ، وبالعين عن الإدراك ، وبالصدر عن القلب ، وبالقلب عن العقل ، وبالأفواه عن الالسن ، وبالألسن عن اللغات ، كله من المجاز اللغوي المرسل ، باعتباره نقلا عن الأصل اللغوي بقرينة لإرادة المجاز ، مع بقاء المعنى اللغوي على ماهيته ، وإضافة المعنى الجديد إليه.
والتعبير بالقرية عن قاطنيها ، وتوابع ذلك ، كله من المجاز العقلي ، فالقرية لا تسأل جدرانها بل سكانها ، فيكون التقدير أهل القرية ، وما استفيد هنا لم يكن بقرينة لفظية مقالية ، وإنما بقرينة معنوية حالية ، حكم بها العقل في الإسناد.
٨ ـ التعبير بالإرادة عن المقاربة ، لأن من أراد شيئا قربت مواقعته إياه غالبا ، ومن ذلك قوله تعالى : ( فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ فأقامه ... )(٢).
وهذا من المجاز العقلي ، فليس الجدار كائنا مريدا ، ولا هو بقادر على هذا الفعل ، وقد أدركنا بالضرورة العقلية ، ومن سياق الإسناد الجملي ، أن المجاز هو الذي أشاع روح الإرادة في الجدار ، وكأنه يريد.
__________________
(١) النساء : ٢٤ ، المائدة : ٥.
(٢) الكهف : ٧٧.