وقد جاء هذا الرفض بحجة أن المجاز أخو
الكذب ، والقرآن منزّه عنه ، فإن المتكلم لا يعدل اليه الا اذا ضاقت به الحقيقة
فيستعير ، وذلك محال على الله تعالى .
وقد ثبت لدينا في ضوء ما تقدم ، وفي
ظلال ما سيأتي بيانه ، أن المورد المجازي في الاستعمال القرآني لا تضيق في الحقيقة
، أو عجز عن تسخيرها في تحقيق المعنى المراد ، بل لغاية التحرر في الالفاظ ، وإرادة
المعاني الثانوية البكر ، فيكون بذلك قد أضاف الى الحقيقية في الألفاظ إضاءة جديدة
، والألفاظ هي هي ، وهذا بعيد عن ملحظ الكذب في التقرير ، أو العجز عن تسخير
الحقيقة. ولو خلا منه القرآن لكان مجردا عن هذه الإضافات البيانية الاصيلة ، وليس
الأمر كذلك.
ويؤكد هذا الملحظ تعقيب الزركشي ( ت : ٧٩٤
هـ ) على القول بمنع استعمال المجاز القرآني بقوله :
« وهذا باطل ولو وجب خلو القرآن من
المجاز لوجب خلوه من التوكيد والحذف وتثنية القصص وغيره ، ولو سقط المجاز من
القرآن سقط شطر الحسن ».
فاستعمال المجاز في القرآن نابع من
الحاجة اليه في بيان محسنات القرآن البلاغية ، فهو والحقيقة يتقاسمان شطري الحسن
في الذائقة البيانية كما أشار الزركشي.
ويبدو ضعف هذا المذهب ـ وهو يرفض وجود
المجاز في القرآن ـ حينما نشاهد حرص الجمهور والإمامية ، وأغلب المعتزلة ، ومن
وافقهم من المتكلمين على إثبات وقوعه في القرآن.
حقا إن ابن قتيبة ( ت : ٢٧٦ هـ ) قد
أشار منذ عهد مبكر الى مسألة
__________________