ومن نافلة القول التوسع في بحث إمكان
وقوع المجاز في القرآن دون طائل ، فقد ثبت وقوعه دون أدنى شك في كوكبة متناثرة من
ألفاظه تعد في القمة من الأستعمال البياني.
فقد رد عبد القاهر ( ت : ٤٧١ هـ ) القول
بحمل اللفظ على ظاهره في كل من قوله تعالى :
أ ـ ( هل ينظرون إلا أن
يأتيهم الله ).
ب ـ ( وجاء ربّك ).
ج ـ ( الرحمن على العرش
استوى (٥)
).
وأوجب أن يكون مجازا لا محالة لأن
الإتيان والمجيء انتقال من مكان الى مكان ، وصفة من صفات الأجسام ، وأن الاستواء
إن حمل على ظاهره لم يصح الا في جسم يشغل حيّزا ، ويأخذ مكانا ، والله عزّوجلّ
خالق الأماكن والأزمنة ، ومنشيء كل ما تصح عليه الحركة والنقلة والتمكن والسكون
والانفصال والاتصال والمماسة والمحاذاة .
إن ما أوّله عبد القاهر في مقارنته بين
معاني هذه الآيات الظاهرة ، ومعانيها الإيحائية الأخرى ، قد دلّه بالنظر العقلي
الى مواطن الضرورة في القول بوقوع المجاز في القرآن ، وإلا وقعنا بالتجسيد تارة ، واصطدمنا
بإشغال المكان بالنسبة اليه تارة أخرى ، وهذا باطل من الأساس في العقيدة ، كما
أننا قد نقع في لبس وحيف عظيمين لو لم نقل بالمجاز ، ولنسبنا الظلم لله تعالى دون
دراية وبدراية بهذه النسبة المفتراة. انظر الى قوله تعالى :
( ومن كان في هذه اعمى
فهو في الأخرة أعمى وأضل سبيلا (٧٢)
) .
__________________