وتواجدها ، وتنقلها
في تخطي حدودها الجغرافية الى بقاع الأرض المختلفة ، والمجاز خير وسيلة للتعبير عن
هذا الاتساع بما يضيفه من قرائن ، وبما يضفيه من علاقات لغوية مبتكرة ، توازن بين
الألفاظ والمعاني في الشكل والمضمون ، وتلائم بين عمليتي الإبداع والتجديد في
دلالة اللفظ الواحد للخروج في اللغة الى ميدان أوسع. والتطلع بها نحو أفق رحيب.
ولما كان القرآن العظيم اساس العربية
ودستورها ، كان المجاز فيه أحد قسيمي الكلام ، وهما : الحقيقة والمجاز.
وسنرصد في الصفحات التالية وقوعه في
القرآن بشكل لا يقبل الشك استقراء ومجانسة وبيانا
٢ ـ وقوع المجاز في القرآن
ومجاز القرآن في الذروة من البيان
العربي ، فالقرآن كتاب العربية الأكبر ، وهو ناموسها الاعظم ، يحرس لغتها من
التدهور ، ويحفظ أمدادها من النضوب ، ويقوّم أودها من الانحطاط. وقد كان إعجازه
البياني موردا متأصلا من موارد إعجازه الكلي ، وتفوقه البلاغي حقيقة ناصعة من
تفوقه في الفن القولي ، وقد وقف العرب عاجزين أمام حسّه المجازي ، وبعده التشبيهي
، ورصده الاستعاري ، وتهذيبه الكنائي ، وأعجبوا أيما إعجاب بوضع ألفاظه من المعنى
المراد حيث يشاء البيان السّمح ؛ والإرادة الاستعمالية المثلى ، تأنقا في العبارة
، وتحيزا للمعاني ؛ فلا غرابة أن يكون القرآن مصدرا للثروة البلاغية الكبرى عند
العرب ، وأصلا لتفجير طاقات تلك البلاغة ، والمجاز منها عقدها الفريد.
ولذلك يرى بعض البلاغيين : « إن المجاز
هو علم البيان بأجمعه ، وأنه أولى بالاستعمال من الحقيقة في باب الفصاحة والبلاغة
؛ لأن العبارة المجازية تنقل السامع عن خلقه الطبيعي في بعض الأحوال حتى أنه ليسمح
بها البخيل ويشجع الجبان » .
__________________