فالجاحظ ( ت : ٢٥٥
هـ ) كمعاصريه يعبر عن الاستعارة والتشبيه والتمثيل جميعا بالمجاز ، ويبدو هذا
جليا في أغلب استعمالات الجاحظ البيانية التي يطلق عليها اسم المجاز ، وهي عبارة
عن مجموعة العناصر البلاغية في النص الأدبي التي تكون المفهوم النقدي الحديث للصور
الفنية .
ولا يعتبر هذا رجوعا الى الوراء في
التماس حقائق الأشياء ، ولكنه إفادة موضوعية من القديم لرصد الجديد وتحقيقه ، لذلك
فقد يلتبس الأمر بين المجاز والتشبيه والاستعارة ، ولكن التمييز الدقيق يقتضي
الفصل والتفريق بين هذه الظواهر البيانية المتجاورة ، ويتم ذلك بالنظر الى الكلام
العربي عن كثب :
أ ـ فإن أريد فيه التوسع مطلقا دون سواه
فهو المجاز.
ب ـ وإن أريد فيه التشبيه التام في ذكر
المشبه والمشبه به وأداة التشبيه مع وجود وجه الشبه ، أو حذف أداة التشبيه مع ذكر
وجه الشبه ، أو انعدام أوجه التشبيه من جهة وتوافقه من جهة أخرى مع ذكر أداة
التشبيه ، أو حذفهما معا فهو التشبيه دون ريب.
ج ـ وإن أريد التشبيه في ذكر الشبه وحذف
المشبه به ؛ فهو الاستعارة.
إذن فالتحديد المانع هو الذي يقتضي
الفصل بين هذه المتقاربات ، لأن في المجاز توسعا ونقلا وتجوزا في الألفاظ يختلف
عما يراه في التشبيه والاستعارة.
وعلى هذا فالمجاز حدث لغوي فضلا عن كونه
عنصرا بلاغيا نابضا بالاستنارة والعطاء ، هذا الحدث يفسر لنا تطور اللغة العربية
الفصحى بتطور دلالة ألفاظها على المعاني الجديدة ، والمعاني الجديدة في عملية
ابتداعها لا يمكن إدراكها الا بالتعبير عنها ، والتصوير اللفظي لها ، وذلك لا
يتحدد بزمن أو بيئة أو إقليم ، وإنما هو متسع للعربية في أعصارها وأدوارها
__________________