السائر ، ويستخلص
منها آخرون قواعد البلاغة وأسس البيان فتعرض على القرآن وتخضع له ، ومع كل هذه
الجهود المتناثرة فلم أقف على عمل خاص ، وجهد قائم بذاته في مصنف منفرد في مجاز
القرآن ـ كما أسلفنا ـ فجاء هذا البحث ـ بعون الله تعالى ـ متمحضا لهذا الغرض ، ومتخصصا
فيه.
وقد زعم الدكتور أحمد بدوي : « إن كثيرا
ممن تعرضوا لدراسة المجاز في القرآن الكريم ، قد مضوا يلتمسون أمثلته ، يبوّبونه
ويذكرون أقساما كثيرة له ، حتى بلغوا من ذلك حد التفاهة ، ومخالفة الذوق اللغوي ».
وهذا الزعم منحصر في جملة من النماذج
التي لا تنهض دليلا قاطعا على صحة الرأي ؛ إذ يعارضه : أن ما كتب في مجاز القرآن
بمعناه الاصطلاحي لا يتجاوز الدراسات الأنموذجية القائمة على سبيل المثال لا الحصر
والاستقصاء ، والمثال قد يتكلف به ، وقد يأتي طيعا متساوقا ، وإذا كان الامر كذلك
، فأختيار بعض البلاغيين للنماذج المقحمة لا يشكل حكما عاما بهذه السهولة. وكما لا
نوافق على هذا الزعم ، فكذلك لا نميل أيضا الى ما ذهب اليه الأستاذ عباس محمود
العقاد من أن المجاز قد انتقل في اللغة العربية من الكتابة الهيروغليفية الى
الكتابة بالحروف الأبجدية.
فلا دليل على هذا من أثر أو تاريخ ، ولا
وضوح في هذا الملحظ ، وهو شبيه بادّعاء الأثر الإغريقي واليوناني في البلاغة
العربية ، فكلاهما لا يصدر عن نص موثوق ، أو دليل قاطع ، بل هي تكهنات لا تنهض
مقياسا على صحة دعوى وأصالة رأي.
فالمجاز وإن استعمل في اللغات العالمية
الحية ولكنه يدور معها في حدود معينة ، وهو بخلاف هذا في لغة القرآن ، إذ
الاستعمال المجازي فيها أساسي وليس أمرا عارضا ، لأنه أحد شقي الكلام وطرفيه ، وهما
الحقيقة
__________________