تفنى فرائده ، وبحرا فنيا لا تدرك سواحله.
وقد تجلى في الكشاف ما أضافه الزمخشري من دلالات جمالية في نظم المعاني ، وما بحثه من المعاني الثانوية في المجاز القرآني ، والتي توصل اليها بفكره النير ، من خلال نظره الفاحص في تقديم المتأخر ، وعائدية الضمائر ، وأسلوب العبارة ، والتركيب الجملي ، لرصد المضمون البياني في القرآن المتمثل لديه في التمثيل والتشبيه والإستعارة وأصناف المجاز ، وهو كثيرا التنقل بالألفاظ القرأنية من الحقيقة الى المجاز مستعينا على ذلك بشؤون الكلام العربي في الحذف والإظهار ، والتقدير والإضمار ، ذلك بإزاء استجلاء إعجاز القرآن فنيا والتأكيد عليه لفظيا ومعنويا من خلال معطيات الشكل ومميزات المضمون.
صحيح أن الهدف الجانبي عند الزمخشري قد يكون كلاميا كما أسلفنا ، ولكن هذا لا يمانع من أن يكون كتابه هذا جوهرة نحن بأمس الحاجة الى امثالها في تبيين روعة القرآن ، وجمال عبارته ، ودقة بلاغته.
ولست هنا في مجال الحديث عن الكشاف إلا إجمالا ، ومن خلال هذا الإجمال ، أضع نموذجين لتحقيقه المجازي بين يدي البحث : الأول ، تعقيبه على قوله تعالى ( الرحمن على العرش أستوى (٥) ) (١) ، فهو يبحثها بلاغيا في ضوء ما تستعمله العرب مجازا أو كناية في معنى العرش والأستواء ، ويضرب لذلك الأشباه والنظائر من القرآن الكريم والموروث العربي ، فيقول :
« ولما كان الأستواء على العرش ، وهو سرير الملك مما يردف الملك ، جعلوه كناية عن الملك فقالوا : استوى فلان على العرش ، يريدون ملك ، وإن لم يقعد على السرير البتة. وقالوا أيضا ـ لشهرته في ذلك المعنى ومساواته ـ : ملك ، في مؤداه وإن كان أشرح وأبسط أدل على صورة الأمر ، ونحوه قولك : يد فلان مبسوطة ويد فلان مغلولة ، بمعنى أنه جواد أو بخيل لا فرق بين العبارتين إلا فيما قلت : حتى أن من لم يبسط يده بالنوال قط ، أو لم تكن له يد رأسا ، قيل فيه : يده مبسوطة لمساواته
__________________
(١) طه : ٥.