إطلاق المجاز في
هذين الأثرين يشمل الاستعارة والتشبيه والتمثيل والمجاز نفسه ، كما سيتضح فيما بعد
، لكنه في عرضه الاصطلاحي أضيق دائرة من فضفاضية الاستعمال الجاحظي ، وعموميته عند
الرماني ، واتساعه عند إبن جني والوقوف به عند الاستعارة فحسب عند أبي هلال.
وقد عبر إبن رشيق القيرواني ( ت : ٤٥٦
هـ ) أن العرب كثيرا ما تستعمل المجاز وتعده من مفاخر كلامها .
ونظرته في هذا نظرة من سبقه في المعنى
العام.
إذن فمصطلح المجاز بمعناه الواسع عريق
من ناحيتين :
الأولى
: استعمال النقاد والبلاغيين العرب له من
قبل أن تتبلور دلالته الاصطلاحية الدقيقة.
الثانية
: وروده في المظان البيانية واللغوية
والتفسيرية بمعنى يقابل الحقيقة ، وإن اشتمل على جملة من أنواع البيان ، أو قصدت
به الاستعارة باعتبارها تقابل الحقيقة لأنها استعمال مجازي.
والذي نريد أن ننوه به أن هذا الأصل
معرّف بالأصالة منذ عهد مبكر في خطوطه الأولى ، وليس هو من ابتكار المعتزلة ، بقدر
ما لهم من فضل في المساهمة فيه شأنهم بذلك شأن البلاغيين فيما بعد عصر الرضي وعبد
القاهر.
٣ ـ مجاز القرآن في مرحلة التأصيل :
يبدو أن إبن قتيبة ( ت : ٢٧٦ هـ ) كان
سباقا الى بحث المجاز في ضوء القرآن في كتابه « تأويل مشكل القرآن » ولكن التحقيق
في الموضوع لديه لم يمثل عملا مستقلا في هذا الباب ، بل شكّل بابا في الكتاب.
وكان الدور الذي قام به الشريف الرضي (
ت : ٤٠٦ هـ ) دورا حافلا ، إذ كتب « تلخيص البيان في مجازات القرآن » فكان بحثا
متفردا ومتخصصا في الموضوع.
__________________