ولكنه لم يعن بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة ، وإنما عني بمجاز الآية ما يعبر عن الآية ... وإنما هذا إصطلاح حادث ، والغالب أنه كان من جهة المعتزلة ونحوهم من المتكلمين(١).
ولا نريد أن نناقش إبن تيمية في نفيه لمصطلح المجاز في القرون الثلاثة الأولى ، في حين استعمله بمعناه الاصطلاحي العام كل من الجاحظ ( ت : ٢٥٥ هـ ) وابن قتيبة ( ت : ٢٧٦ هـ ) وهما من أعلام القرن الثالث ، لا نجادله يهذا لوضوح وروده ، بقدر ما نؤيده في حدود أن المعتزلة كانوا مجدين في هذا المنحى ، وإن كان الفضل الحقيقي في إرساء اسسه ، واستكمال مناهجه يعود الى الشيخ عبد القاهر وهو ليس معتزليا.
وكان محمد بن يزيد المبرد ( ت : ٢٨٥ هـ ) قد استعمل المجاز بالمؤدى نفسه الذي استعمله به أبو عبيدة من ذي قبل للدلالة على ما يعبر به عن تفسير لفظ الآية أو ألفاظها ، ولا دلالة إصطلاحية عنده فيه(٢).
على أن إبن جني ( ت : ٣٩٢ هـ ) قد أشار الى حقيقة وقوع الكلام مجازا في عدة مواضع من « الخصائص » ونصّ عليه بل ذهب الى أولويته في الكلام ، ووافق إبن قتيبة في موارد منه ، وأخذ ذلك عنه ، كما سنرى. يقول إبن جني في هذا السياق : « إعلم أن أكثر اللغة مع تأمله مجاز لا حقيقة ، وذلك عامة الأفعال ، نحو : قام زيد ، وقعد عمر ، وانطلق بشر ، وجاء الصيف ، وانهزم الشتاء. ألا ترى أن الفعل يفاد منه معنى الجنسية. فقولك : قام زيد معناه : كان منه القيام ، وكيف يكون ذلك وهو جنس ، والجنس يطبق جميع الماضي وجميع الحاضر ، وجميع الآتي الكائنات من كل من وجد منه القيام. ومعلوم انه لا يجتمع لأنسان واحد في وقت ولا في مئة ألف سنة مضاعفة القيام كله الداخل تحت الوهم ، هذا محال عند كل ذي لبّ ، فإذا كان كذلك علمت أن ( قام زيد ) مجاز لا حقيقة ، وإنما هو وضع الكل موضع البعض للاتساع والمبالغة وتشبيه القليل بالكثير(٣).
__________________
(١) ابن تيمية ، كتاب الأيمان : ٣٤.
(٢) ظ : المبرد : المقتضب في أغلب استعمالاته لإطلاق المجاز.
(٣) ابن جني ، الخصائص : ٢ / ٤٤٨.