جـ ـ ( ونبلوا أخباركم )(١)
نقف على حدود مجاز لغوي مرسل على الوجه الآتي :
ففي الآية (أ) أطلق الاعتداء على الجزاء ، وواضح أن الاعتداء الثاني في الآية غير الاعتداء الأول ، لأن الاعتداء الأول جرم ، والثاني جزاء ، وفرق بين الجرم والجزاء ، فلا يراد به الاعتداء حقيقة بالمعنى الأول ، بل المراد المجازاة فقط ، إذ لا يأمر الله بالاعتداء قطعا ، وإنما سمي كذلك لأنه مسبب عن الاعتداء الحقيقي ، فكان التعبير عنه بالاعتداء مجازا لأنه حصل بسبب الاعتداء وإن كان جزاء في واقعه.
قال القزويني ( ت : ٧٣٩ هـ ) « وإنما سمي جزاء الاعتداء اعتداءً لأنه مسبب عن الاعتداء »(٢).
في الآية (ب) عبّر سبحانه عن الاقتصاص بلفظ السيئة ، والسيئة الثانية في الآية غير السيئة الأولى ، لأن السيئة الأولى ذنب والسيئة الثانية مقاصة ، وفرق بين الذنب والاقتصاص ، إذن فليس الاقتصاص سيئة ، ولكنه مسبب عنها ، فسمي باسمها ، وهذا المعنى هو المعني بقولهم : تسمية المسبب باسم السبب ، وذلك بأن يطلق لفظ السبب ويراد به المسبب كما في الآية (جـ) إذ أطلق تجوزا اسم البلاء على العرفان ، وليس البلاء عرفانا ، ولكنه مسبب عنه ، فكأنه تعالى قد أراد : ونعرف أخباركم ، لأن البلاء الاختبار ، وفي الاختبار حصول العرفان ، فعبر رأسا عن العرفان بالبلاء كما هو ظاهر في الاستعمال عند العرب ، فإنهم يقولون : رعينا الغيث ، والغيث هو المطر ، والمطر لا يرعى ، ومرادهم النبات والأعشاب لأنه سببهما الغيث.
ويحمل على هذا قول عمرو بن كلثوم في معلقته(٣).
ألا لا يجهـلـن أحد عليـنـا |
|
فنجهل فـوق جهـل الجاهلينـا |
__________________
(١) محمد : ٣١.
(٢) القزويني ، الإيضاح في علوم البلاغة : ٤٠٠ تحقيق الخفاجي.
(٣) ظ : الزوزني ، شرح المعلقات السبع : ١٧٨.