حقيقيا ، فكشف علاقة كل مجاز هو دليل مجازية التعبير ، ولو لم تدرك العلاقة ، لما صح لنا التعبير عن هذا وذاك بالمجاز.
ففي قوله تعالى : ( قم اللّيل إلاّ قليلا (٢) ) (١) وقوله تعالى : ( لا تقم فيه أبدا ) (٢) ندرك ـ والله العالم ـ أن القيام في هذين الموضعين بحسب العلاقة والعائدية التعبيرية : هو الصلاة ، كما هو منظور إليه في الاستعمال القرآني عند إطلاق لفظ القيام بمعنى الإقامة ، إن دلالة الكلمة هنا تعطي معنى : صلّ ، والعلاقة في ذلك كون القيام ركنا أساسيا ، وجزءا مهما في الصلاة ، فعبّر به لهذا الملحظ.
وفي قوله تعالى : ( ويبقى وجه ربّك ... ) (٣) وقوله تعالى : ( هو كلّ شيء هالك إلاّ وجهه ) (٤) ، يبدو أن المراد بالوجه هنا الذات القدسية لله عز وجلّ ، وإلا فليس لله وجه بالمعنى الحقيقي على جهة التجسيم والمكان والإحلال والعينية والمشاهدة ، ولما كان الوجه هو ذلك الجزء الذي لا يستغنى عنه في الدلالة على كل ذات ، عبر به هنا عن الذات الإلهية مجازا على طريق العرب في الاستعمال بإطلاق اسم الجزء وإرادة الكل.
وأن كان الأمر بالنسبة لقوله تعالى : ( وجوه يومئذ خاشعة (٢) عاملة ناصبة (٣) ) (٥) إذ المراد بذلك أجساد هؤلاء بقرينة العمل والنصب الذي تؤدي ضريبته الأجساد بتمامها ، لا الوجوه وحدها ، وإنما عبر عنها بالوجوه باعتبارها جزءا من الأجساد ودالا عليها.
وفي قوله تعالى : ( فتحرير رقبة مؤمنة ) (٦) فإن المراد هو تحرير
__________________
(١) المزمل : ٢.
(٢) التوبة : ١٠٨.
(٣) الرحمن : ٢٧.
(٤) القصص : ٨٨.
(٥) الغاشية : ٢ ـ ٣.
(٦) النساء : ٩٢.