الخبيثة لتتيقظ عن
طريق الاستدلال الفطري ، فكما تحيا الأرض بعد موتها ، يحيا الناس بعد موتهم سواء
بسواء.
وفي الآية (ب) تتجلى عناية المجاز
القرآني بتصوير هذه الظاهرة وتأكيدها بأمرين : إحياء الأرض وإحياء الموتى ، وذلك
بإيجاد العلاقة القائمة بين إحياء الأرض وهي موات ، وإحياء الأجساد في البلى ، فالقادر
على هذا قادر على ذاك ، فكل ما من شأنه أن يموت فالله قدير على إحيائه ، والتحقيق
العقلي والنظر عند العقلاء يقضيان بصحة هذه المعادلة ، ولا يبعد أن ترصد الإشارة
هنا الى الطبيعة الأرضية والأصل التركيبي في جسم الإنسان لدى خلقه الإعجازي من طين
، أو لدى بعثه من الأرض بعد تلاشي عناصره بعناصرها ورجوعها الى أصلها الأول ، ومن
ثم فإنها تنشر وتعاد كما كانت أولا.
وفي الآية (جـ) كان الاستدلال بلحاظ
النظر الجدي في إراءته للبرق بين الخوف والطمع ، وإنزاله للمطر من السماء فيحيي به
الأرض ، بعد موتها ، على سبيل المثال ما بيناه فيما سبق من إضفاء صفة الحسّ والنبض
والحياة على من يؤهل له ، وإطلاق ذلك عليه تجوزا من أجل التعقل والتدبر والتفكر
بآيات الله وحججه الدامغة.
ومجال القرآن في حججه البالغة ، وتنزيلاته
العقلية متواترة متكاثفة يقتسمها المجاز والحقيقة معا.
٣ـ وفي مقام الرد على المشركين ، وتسفيه
أحلامهم ، والنعي على عقولهم المتحجرة ، يقف المجاز مما يعبدون موقف المحكم للحس
والوجدان لإبطال عباداتهم ، وإثبات فساد أعمالهم ، ففي قوله تعالى : ( مثل الذين
أتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت أتّخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت
العنكبوت لو كانوا يعلمون (٤١) ) .
لمس الزمخشري أن الكلام قد أخرج بعد
تصحيح التشبيه مخرج المجاز فكأنه يقول : وإن أوهن ما يعتمد عليه الدين عبادة
الأوثان لو كانوا يعلمون .
__________________