أضف إلى ذلك أنه قد وصلنا من كتب القراء فى المتشابه : كتاب للكسائى ، الذى كان تلميذا لأحد هؤلاء الذين ذكر لهم ابن النديم كتبا فى المتشابه ، وشيخا لآخر ، أسماه « مشتبهات القرآن » (١). عالج فيه مسألة نزول القرآن على سبعة أحرف ومسائل أخرى ، ثم جمع فيه الآيات المشتبهات من حيث اللفظ ، بعضها مع بعض بحسب ترتيب السور ، ولم يكتب فى تعليل ذلك ، والتماس ما فيه من وجوه البلاغة ، حرفا واحدا ، وربما جاء من بعده فالتمسوا بعض وجوه الحكمة فى ذلك فى كتب أسموها بالمتشابه ، كذلك.
على أننا لا نحكم باستحالة أن يكون بعض هؤلاء قد حمله ما وجده من أصحاب الفرق ، وبخاصة المعتزلة ـ ونظرة المحدثين والقراء لهم معروفة ـ من الخوض فى التأويل ، على الكتابة والرد عليهم ، والانتصار فى ذلك بمذهب السلف ، فيكون قد كتب ، على أحسن الفروض ، كتابا فى آيات الصفات!
وإذا قارنا كتاب القاضى عبد الجبار بكتاب القاضى ابن الخلال ، وهو كل ما وصلنا من كتب الذين تقدموا قاضى القضاة ، أمكننا القول : بأن كتاب الشيخ ينفرد بشموله جميع الآيات المتشابهة مع الاستدلال بالمحكم على مذهبه ، فى جميع مسائل العدل والتوحيد ، فى حين أن ابن الخلال اقتصر فيه على تأويل الآيات التى يشعر ظاهرها بالجبر.
__________________
(١) الكسائى هو أبو الحسن على بن حمزة الكسائى ، توفى سنة ١٨٩ ، وذكر ابن الجزرى أنه كان أجل أصحاب حمزة بن حبيب ( ـ ١٥٦ ) وذكر أن خلف ابن هشام ( ـ ٢٢٩ ) قد قرأ عليه ـ الكسائى ـ الحروف. راجع غاية النهاية فى طبقات القراء : ١ / ٢٦١ ـ ٢٦٢ و ١ / ٢٧٥. وانظر أوسع ترجمة الكسائى فى إنباه الرواة. وتوجد نسخة من كتابه ( مشتبهات القرآن ) فى معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية ـ نسخة مصورة بالميكروفيلم ـ تقع فى ٨٠ ورقة ، ورقمها ٢٤٠ تفسير.