٢ ـ ويجد فى قوله تعالى : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) فى آية الصوم ، ما يدل على أنه تعالى لا يريد بالعباد الكفر وأن يعذبهم فى الآخرة ؛ لأنه تعالى « إذا امتن علينا بأنه لا يريد بنا العسر الذى هو عمل المشقة بالصوم ، رحمة بنا ورأفة ، فكيف يجوز أن نتصور أنه يريد مع ذلك بالعبد أن يكفر ويخلد بين أطباق النيران؟. ولو أن أحدنا أقبل على ولده ، فقال : لا أريد منك مع إشفاقى عليك أن تنصرف فى أيام القيظ ، لم يجز أن يتصور مع ذلك أنه يريد أن يعذبه بالنار. وهذا مما يأباه العقل » (١).
٣ ـ ويؤكد فى موضع آخر ، عند الكلام على أن مرتكب الكبيرة إذا تاب لا يعاقب بالخلود فى النار ، على أن ما دل العقل على اشتراطه هو فى حكم المتصل بالقول ، لأنه تعالى لا يجوز أن يعاقب من بذل مجهوده فى تلافى ما كان منه ، فاذا كان قوله تعالى : ( وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها ) دالا على مذهب المعتزلة أن من فعل ذلك من أهل الصلاة يخلد فى النار ، فقد قال القاضى : ما لم يتب ، لأن اشتراط التوبة معلوم بالعقل ، « وما دل العقل الصحيح على اشتراطه هو فى حكم المتصل بالقول ، وإن كان تعالى قد بين كونه شرط فى مواضع ». (٢)
٤ ـ ومما يستدل به القاضى على فساد قول المجبرة قوله تعالى : ( فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ ) فلم يتعلق هؤلاء الذين رأوا العذاب إلا بهذا القول ، ولو كان الأمر كما تقوله المجبرة لكان الأولى أن يقولوا إنك أوقعتنا فى الظلم ، أو منعتنا من الإيمان بسلب القدرة عليه ... الخ ...
__________________
(١) المصدر السابق. ص : ١١٨.
(٢) المصدر السابق. ص : ١٧٩.