على أننا نقول إن هذا المنهج الذى سار عليه القاضى فى تأويل المتشابه ـ فى كتابه ـ وفى تفسير القرآن وحجيته ـ بعامة ـ وما تقدم ذلك من ترتيب الأدلة ... جزء لا يتجزأ من منهج المعتزلة الفكرى بوجه عام. وأى حديث عن منهج القاضى فى كتابه يجب أن يبحث فى ضمن هذا الإطار. والذى ذكرناه هنا لا يعدو أن يكون إيضاحا لأهم جوانب هذا المنهج ، ومحاولة للشرح والربط ، قصدنا منه إلى جلاء « الأصل » الذى يصدر عنه القاضى فى تفسير المتشابه وتأويله (١) دون الحديث عن تقويم هذا الأصل الذى لا محل للحديث عنه فى هذه المقدمة.
بعض الشواهد على هذا المنهج :
وغنى عن البيان ، بعد هذا ، أن هذه النزعة العقلية هى التى تتجلى بوضوح فى تأويلات القاضى للآيات المتشابهة ، وفى رده على الخصوم تمسكهم بظواهرها ، وفى استدلاله كذلك على مذهبه بالمحكمات. ونكتفى هنا بإيراد بعض الشواهد الموضحة لذلك.
١ ـ يرد القاضى على من زعم أن قوله تعالى : ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) يدل على أن هذه الأمور كلها مباحة ، وأن لنا التصرف فى جميعها ، بقوله : إنه تعالى خلق ما فى الأرض ـ فى الجملة ـ للعباد لكى ينتفعوا به ، فالظاهر فى الجملة لا يخالف ما ثبت بالدليل. ثم يقول ، « فأما من جهة التفصيل : فلا بد من شرط. ولا فرق بين أن يكون منطوقا به أو معروفا بالعقل ، وهو أن لنا أن نتصرف فيه ما لم يؤد إلى مضرة على وجه ... » (٢) ،
__________________
(١) نقوم الآن بإعداد دراسة وافية عن منهج المعتزلة فى تفسير القرآن.
(٢) ص ٧٦ من الكتاب.