وفى أن الواجب على المكلف عرضهما على دليل العقول ، وإذا وجب ذلك فيهما حملنا ما يمكن إيفاء الحقيقة حقها ، على حقيقته ، وما لا يمكن أن نوفيه حقه حملناه على مجازه المعروف ، فكيف يدعى فى مثل ذلك التناقض (١) »؟!
كلمة فى هذا المنهج
وليس بعد هذا التلخيص الموجز من القاضى نفسه ، مجال للقول والشرح ، ولكن قبل أن نضيف إلى اعتماد القاضى فى منهجه على التأويل العقلى ، اعتماده على التحليل اللغوى الدقيق ، نقف قليلا أمام هذه النظرية العقلية الخالصة فى تفسير القرآن ، والتى يظن معها أن القاضى يجعل العقل حاكما على الكتاب ، ومقدما عليه فى الدلالة.
والواقع أن القاضى يجعل الكتاب هو الأصل ، ولكنه يقول إن حجيته أو دلالته لا يمكن القول بها قبل معرفة الله تعالى وحكمته ، وأنه متفرد بالإلهية ، فإذا كان سبيل هذه المعرفة هو العقل ، فالواجب القول بوضعه على رأس الأدلة ، ولا يكون فى ذلك ما يجعله حاكما على الكتاب ، لأن الكتاب هو الأصل من حيث إن فيه التنبيه على ما فى العقول (٢).
__________________
(١) إعجاز القرآن. ص : ٣٩٥.
(٢) أوضح القاضى ذلك فى كتابه ( فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ). فقد رتب فى الفصل الأول منه الأدلة وأوضح رأيه فى أن تقديم دلالة العقل لا يطعن فى جعل الكتاب هو الأصل ، فقال فى بيان هذه الأدلة : « أولها دلالة العقل. لأن به يميز بين الحسن والقبيح. ولأن به يعرف أن الكتاب حجة. وكذلك السنة والإجماع. » قال القاضى « وربما تعجب من هذا الترتيب بعضهم. فيظن أن الأدلة هى الكتاب والسنة والإجماع فقط. أو يظن أن العقل إذا كان يدل على أمور فهو مؤخر. وليس الأمر كذلك. لأن الله تعالى لم يخاطب إلا أهل العقل.
ولأن به يعرف أن الكتاب حجة. وكذلك السنة والاجماع ... » ثم قال : « وإن كنا نقول إن الكتاب هو الأصل من حيث إن فيه التنبيه على ما فى العقول. كما أن فيه الأدلة على الأحكام ».
ويلخص كل ذلك بقوله : « ومتى عرفناه بالعقل إلها متفردا بالإلهية. وعرفناه حكيما. يعلم فى كتابه أنه دلالة ». الورقة ٢ من فضل الاعتزال. مخطوط.