ولهذا قام بتأويل الآيات التى تخالف بظاهرها أدلة التوحيد والعدل ، فأولها على أصول العربية بما يطابق هذه الأدلة ، أو ـ بعبارة أخرى ـ بما يطابق شواهد العقل.
وقد بنى القاضى عمله هذا على أصل مهم قدم القول فيه فى مستهل كتابه ، ودافع عنه وأقام الدليل عليه. ونحن نوجز القول فى بيان هذا الأصل ، كما أوضحه القاضى هنا وفى سائر كتبه ، إيضاحا لمنهجه فى هذا الكتاب.
١ ـ دليل العقل : يتلخص هذا الأصل فى وجوب معرفة الله تعالى بدليل العقل ـ أولا ـ وأنه تعالى حكيم لا يختار فعل القبيح ، لأن هذه المعرفة يمكن معها القول إنه تعالى صادق فى إخباره وكلامه ، وأنه لا يجرى المعجز على الكذابين ... الخ وبالتالى يمكن الاستدلال بالقرآن على ما يدل عليه.
ولذلك لا يمكن الاستدلال بالقرآن على إثباته تعالى وإثبات حكمته ؛ لأن ذلك موقوف على العلم بصحته ، وصحته لا تعلم إلا بعد العلم بحال فاعله ، فيؤدى ذلك إلى أن القرآن لا يدل عليه تعالى إلا بعد المعرفة به ، ومتى عرف استغنى عن الدلالة عليه (١).
ويمضى القاضى فى بيان هذا الأصل وشرحه ، ودفع الاعتراضات عنه بما يغنى عن إعادته. وقد قدمه على جميع المسائل التى أوردها فى مقدمة كتابه ، حتى إذا شرع فى المسألة الثانية المتصلة بمزية المحكم على المتشابه جعلهما بمنزلة واحدة من حيث إن الاستدلال بهما أجمع لا يمكن إلا بعد معرفة حكمة الفاعل ،
__________________
(١) انظر الفقرة الأولى من كتاب القاضى.