خطبة الكتاب ، من أنه أملى فى بيان معانى القرآن ، والفصل بين محكمه ومتشابهه كتبا ، وأنه إنما خص هذا الكتاب بجمع شتات أمور متفرقة تتعلق بالمطاعن على القرآن ، سواء فى ذلك المتشابه وغيره. قال القاضى : « ومعلوم أنه لا ينتفع به ـ أى بالقرآن ـ إلا بعد الوقوف على معانى ما فيه ، وبعد الفصل بين محكمه ومتشابهه ، فكثير من الناس قد ضل بأن تمسك بالمتشابه ، حتى اعتقدوا بأن قوله تعالى : ( يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) حقيقة فى الحجر والمدر ، والطير والنعم. وربما رووا فى ذلك تسبيح كل شيء من ذلك. ومن اعتقد ذلك لم ينتفع بما يقرأ ، لذلك قال تعالى : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) فى غير موضع ، ولذلك وصفه تعالى بأنه ( شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ ). وكل ذلك لا يجوز إلا بمعرفة مراده. وقد أملينا فى ذلك ، بحمد الله ، كتبا ، لكن هذا الجنس من ذكر المطاعن وأجوبتها ، وذكر المتشابه ومعانيه وذكر التنبيه على قوارع القرآن متفرق فى ذلك ، ونحن إن شاء الله نجمعه فى هذا الكتاب ليكون النفع به أعظم ، ونسأل الله التوفيق للصواب (١).
__________________
(١) من مقدمة النسخة الخطية الأخرى التى عثرنا عليها.
على أن الذين حكموا على القاضى بأنه خص كتابه فى التنزيه بالآيات المتشابهة وبيان خطأ فريق من الناس فى تأيلها ، كان من الممكن أن يقفوا قليلا أمام للنص الذى قد يوهم ذلك فى خطبة الكتاب ، فقد جاء فى النسخة المطبوعة ، بدل النص السابق ، قوله : « وقد أملينا فى ذلك كتابا يفصل بين المحكم والمتشابه ، عرضنا فيه سور القرآن على ترتيبها ، وبينا معانى ما تشابه من آياتها ، مع بيان وجه خطأ فريق من الناس فى تأويلها ، ليكون النفع به أعظم ونسأل الله التوفيق للصواب إن شاء الله تعالى ».
فهذا النص الذى خص بالحديث عن كتاب المتشابه ، لا صلة له بالحديث عن موضوع كتاب التنزيه ، وقد أورده القاضى فى معرض حديثه عن وجوب الفصل بين المحكم والمتشابه ، الذى قدم عليه وجوب الوقوف على معانى القرآن أيضا.
ثم نجد أن النص قد قطع وانتهى. ليبدأ الكلام فى مسائل الكتاب. وهذا يقطع بدخول التصحيف على النص. لأن القاضى لا يعقل أن يقول بين يدى كتابه « وقد أملينا فى ذلك كتابا » ثم يعنى كتابه الذى سيمليه. أو يكتبه!! لأنه لم يكتب منه بعد كلمة واحدة! ولا حاجة بالقاضى.
طبعا إلى كتابة كتابين فى المتشابه! على أننا قد عرضنا لهذا بالتفصيل فى مقدمة التحقيق التى ـ