يقل به فأخّر المكلّف الفعل إلى انقضاء أزمنة الإمكان ، فإمّا أن يكون آثما ، أو لا ، فعلى الأوّل يلزم التكليف بالمحال ؛ إذ يجب عليه حينئذ عدم تأخيره عن آخر أزمنة الإمكان ، مع أنّه لا يعرفه.
وعلى الثاني يلزم خروج الواجب عن كونه واجبا.
فالحلّ الصحيح أنّ جواز التأخير إلى غاية معيّنة ، وهو آخر أزمنة الإمكان بظنّ المكلّف بل بشكّه أيضا على التحقيق ، فكلّ زمان لم يظهر فيه عدم الإمكان بعد ذلك يجوز له التأخير ، وكلّ وقت ظنّ فيه ذلك يتضيّق عليه ، وهذا الوقت غير مجهول ؛ لأنّ المكلّف يتمكّن في كلّ وقت أن يتميّز (١) بأنّه هل حصل له الظنّ بأنّه لا يعيش بعد ذلك أم لا؟ ثمّ الوقت الذي يتضيّق عليه يختلف باختلاف الفعل المأمور به كثرة وقلّة ، وصعوبة وسهولة ، فربّما كان كثيرا يقتضي أمدا بعيدا ، وربّما كان قليلا لا يقتضي إلاّ زمانا قصيرا ، وربّما كان صعبا لم يمكن ، أو أنّه عند الهرم وسقوط القوّة ، وربّما كان سهلا أمكن إيقاعه عندهما ، فكلّ زمان ظنّ المكلّف أنّه لم يبق من عمره أو قوّته إلاّ بقدر ما أدّى فيه ما يجب عليه يتضيّق عليه ، وما لم يظنّ ذلك يجوز له التأخير.
والدليل عليه : قد تقدّم فيما ذكر أنّ من ظنّ الموت في جزء من وقت الواجب الموسّع ـ سواء كان ممّا وقته العمر أو لا ـ يعصي بتركه قبله إن مات فجأة ، ومن ظنّ السلامة فيه لا يعصي بتركه قبله لو مات كذلك.
بقي الكلام في الجواب عمّا ذكر في الدليل من أنّه لا إشعار في الأمر بالتأخير إلى غاية معيّنة.
والجواب عنه : أنّ فيه إشعارا بجواز التأخير إلى الغاية المعيّنة التي ذكرناها ، وعدم جواز التأخير عنها ؛ لأنّه لمّا فهم منه وجوب الفعل من غير دلالة على زمان معيّن ، فهم منه عدم لزوم إيقاعه فيما قبل آخر أزمنة الإمكان ، وعدم جواز تأخيره عنه.
وممّا ذكرنا يظهر أنّ ما قيل : إنّه قلّما يحصل هذا الظنّ ؛ لأنّه لا بدّ له من أمارة ، وليست إلاّ كبر السنّ أو مرضا شديدا وهما لا يفيدان شيئا ؛ إذ كم من شابّ صحيح يموت فجأة ، وكم
__________________
(١) كذا في النسختين ، والأولى « يميّز ».