فقيل : نعم ، فقال : « أن يشهد الرجل قبل أن يستشهد » (١). يحمل على حقّ الله ، وقوله عليهالسلام : « ثمّ يفشو الكذب حتّى يشهد الرجل قبل أن يستشهد » (٢) على حقّ الناس.
وممّا فرّع عليه الحكم بقسمة دار تعارضت فيها بيّنتان ولم تكن في يد واحد من المتداعيين ، أو كانت في يدهما.
وعلى الثاني إمّا يعلم تاريخهما أو يجهل.
فعلى الأوّل يحكم بكون المتأخّر (٣) ناسخا للمتقدّم.
وعلى الثاني إمّا يقترن أحدهما بما يتقوّى به فيمكن الترجيح ، أو يتعادلان فلا يمكن.
فعلى الأوّل يجب الترجيح وتقديم أقوى الأمارتين ؛ لشيوع ذلك من الصحابة ومن بعدهم من السلف ، وتكرّره في القضايا المختلفة من غير نكير (٤) ، ونقل الإجماع صريحا على وجوب العمل بالراجح من الدليلين (٥) ، ولزوم ترجيح المرجوح لو لم يعمل به ، فالقول بالتخيير حينئذ أو التساقط والرجوع إلى الأصل (٦) ساقط وفساده ظاهر.
وعلى الثاني يتخيّر المجتهد في العمل بأحدهما وفاقا للمعظم من الفريقين.
وذهب بعض الأخباريين [ إلى ] (٧) أنّه يجب التوقّف حينئذ في الفتوى ، والاحتياط في العمل (٨).
وقيل : يتساقطان ويرجع إلى البراءة الأصليّة (٩).
لنا : استفاضة الأخبار بثبوت التخيير بعد عدم شيء من المرجّحات المنصوصة ، وفي بعضها (١٠) حكم به بعد كون كلّ من الراويين ثقة من دون الأمر بالرجوع إلى مرجّحات أخر.
__________________
(١) سنن أبي داود ٣ : ٣٠٤ ، ح ٣٥٩٦.
(٢) مستدرك الوسائل ١٧ : ٤٤٨ ، أبواب الشهادات ، الباب ٤٦ ، ح ٨ باختلاف.
(٣) والمراد به هو البيّنة المتأخّرة. والتذكير هنا وفيما يأتي يحتاج إلى التوجيه.
(٤ و ٥) حكاه الشيخ حسن في معالم الدين : ٢٥٠ و ٢٥١.
(٦) قاله الأنصاري في فواتح الرحموت المطبوع مع المستصفى ٢ : ١٨٩ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ٤٣٧.
(٧) أضفناه لاستقامة العبارة.
(٨) راجع الرسائل الاصوليّة : ٣٨٢.
(٩) راجع : التمهيد ٢ : ٥٠٥ ، ونهاية السؤل ٤ : ٤٣٧.
(١٠) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٢١ ـ ١٢٢ ، أبواب صفات القاضي ، الباب ٩ ، ح ٤٠ و ٤١.