معرفته ، لكن لا بدّ للخصم عن إثبات وقوع تعدّد الأعلم كذلك حتّى يثبت الاحتياج إلى معرفة الأورع ، وأنّى له إثباته؟
ولو سلّم إمكان إثباته ، نقول : معرفته ممكنة بالآثار والأخبار ؛ على أنّ وجوب تقليد الأعلم الأورع إنّما هو عند إمكانه ، ومع التعذّر فالمقلّد مخيّر في تقليد من شاء ، كما إذا تعدّد المجتهدون الأحياء وتساووا ، أو لم يتيسّر للمقلّد تمييز الأعلم الأورع.
ومنها : أنّه إذا كان للمجتهد في مسألة قولان ، يجب على مقلّده الرجوع إلى قوله الأخير ، وكثير من المسائل ممّا يختلف قول المجتهد الواحد فيه ، ولا يمكن في الميّت تمييز قوله الأوّل عن الأخير (١).
وفيه : أنّ التمييز من مصنّفاته في غاية السهولة ؛ فإنّ تواريخ تصنيف أكثر كتب الأعيان المجتهدين مضبوطة ؛ على أنّه لو لم يمكن التمييز ، فالظاهر تخيير المقلّد في العمل بأيّ القولين شاء ، كما في الأحياء. هذا.
مع أنّه لا يتمّ إلاّ في ميّت كان له قولان في مسألة واحدة دون غيره ، وفي المسائل التي له قولان فيها دون غيرها.
احتجّ الخصم بأنّ فتاوى المجتهدين ليست إلاّ بيانات لأقوال الحجج عليهمالسلام ، فالعامل بفتاواهم عامل حقيقة بأقوالهم ، فيجوز له العمل بها في كلّ وقت ، ولا مدخليّة لحياة المبيّن وموته في ذلك (٢).
وفيه : أنّ المجتهد يحتاج إلى تحصيل الظنّ من الجمع بين الأدلّة المتعارضة ، ومن استنباط أحد محتملات الألفاظ المتشابهة ، واللوازم والأفراد غير البيّنة ، وما لم يحصل له ظنّ لا يحكم بشيء ، فالمتّبع هو ظنّه ، وكيف يكون ذلك مجرّد بيان قول المعصوم عليهالسلام وظنّه ـ كما عرفت (٣) ـ ينعدم بموته؟
ثمّ جلّ الفتاوى من الظنون الحاصلة من الترجيحات والاستنباطات الاجتهاديّة ، وما هو
__________________
(١) قاله الكركي في حاشية شرائع الإسلام ( ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره ) ١١ : ١١٤.
(٢) راجع الوافية : ٣٠٦.
(٣) تقدّم في ص ٩٦٥.