وليس لأحد أن يقول : إنّهما يخرجان تقليد الميّت أيضا ؛ لأنّ صورة حكاية الإجماع صريحة في الاختصاص بتقليد الأحياء ، والحرج يندفع بتسويغ تقليد الحيّ.
والقول بأنّ انعقاد الإجماع غير مسلّم ، كيف؟ وكلام الكليني في أوّل الكافي (١) ظاهر في المنع عن مطلق التقليد ، وصرّح ابن زهرة به وبوجوب الاجتهاد عينا (٢) ، وقد عزاهما بعض أصحابنا إلى قدماء الأصحاب وفقهاء حلب (٣). والحرج كما يندفع بتقليد الحيّ يندفع بتقليد الميّت أيضا ، فالحكم بتعيّن الأوّل تحكّم (٤).
ضعيف ؛ لأنّه لو قطع النظر عن الإجماع ، فلا ريب في أنّ لزوم الحرج ينتهض حجّة قطعيّة لصحّة التقليد ، ولمّا كان التقليد مذموما ومخالفا للأصل ، فيجب أن يجوّز بقدر ما يندفع [ به ] (٥) الحرج ؛ لأنّ ما يقدّر للضرورة فإنّما يقدّر بقدرها ، ولا شكّ في أنّه يندفع بتقليد كلّ من الحيّ والميّت ، فيجب تقليد أحدهما فقط. وتقليد الحيّ ممّا قال به كلّ من قال بصحّة التقليد ، فلا يمكن منهم منعه ، فيتعيّن منع تقليد الميّت.
وممّا يؤكّد ذلك أنّ الآيات والأخبار التي يمكن أن يستدلّ بها على صحّة التقليد إنّما تدلّ على صحّة تقليد الحيّ دون الميّت ؛ لأنّها محصورة بين ما ورد فيه الأمر بالسؤال ، كقوله تعالى : ( فَسْئَلُوا )(٦).
وما ورد فيه الأمر بالنظر إلى عارف الأحكام واستنباطها منه ، كمشهورة أبي خديجة (٧).
وما ورد فيه الأمر بالاستفتاء أو السماع أو غير ذلك ، ممّا يختصّ بالأحياء.
وثانيهما : أنّ دلائل الفقه لمّا كانت ظنّيّة ، لا يكون بينها وبين نتائجها لزوم عقلي ، كما تقرّر في محلّه ، فلا تكون حجّة من حيث هي ، بل من حيث إفادتها الظنّ للمجتهد ، فالحجّة هو ظنّه وهو يزول بموته ، فيبقى حكمه خاليا عن الدليل ، فكيف يمكن اتّباعه؟! ولا يمكن
__________________
(١) الكافي ١ : ٨ ـ ٩.
(٢) غنية النزوع ٢ : ٤١٤ ـ ٤١٥.
(٣) ذكره الشهيد في ذكرى الشيعة ١ : ٤١.
(٤) قاله الفاضل التوني في الوافية : ٣٠٤.
(٥) أضفناه لاستقامة العبارة.
(٦) النحل (١٦) : ٤٣.
(٧) تقدّم في ص ٩٥٧.