ولوجوب تحصيل العلم بالاصول بالإجماع ، وقوله تعالى : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ )(١). والتقليد لا يحصّله ، وقوله : قل انظروا أو لم يتفكّروا في خلق السماوات (٢).
وما ورد من الأخبار من أنّه يسأل في القبر عن الدليل على اصول العقائد (٣).
احتجّ المخالف (٤) ـ وهو بين قائل بكفاية الوصول في الاصول إلى المطلوب سواء كان بنظر صحيح أو فاسد أو بالتقليد ، وقائل بحرمة النظر ووجوب التقليد فيها (٥) ـ بوجوه :
منها : أنّ الاستدلال صعب ، ومعرفة الاصول بالنظر والدلالة العقليّة لا يتمكّن منها كلّ أحد ؛ لتعذّرها في حقّ أكثر الناس ، كأغباء الترك ، وأجلاف العرب ، وأكثر النساء والأطفال في أوائل البلوغ ، وأكثر من يتمكّن منها يتوقّف حصولها له على صرف برهة من عمره في تحصيلها ، وربما أدّى في كثير منهم إلى استيعاب أوقاتهم ؛ لتوقّفه على مقدّمات كثيرة ، فيختلّ أمر المعاش.
ومنها : أنّ النبيّ والصحابة يكتفون في إسلام الكفّار من عوامّ العرب على كلمتي الشهادة من دون تكليف استدلال ، بل يحكمون بمجرّدهما على إسلام الأمة الخرساء ، والبدوي الذي لم يعرف الهرّ من البرّ (٦) من دون عرض الأدلّة عليهما.
ومنها : اتّفاق علماء الأمصار على قبول شهادة العوامّ مع أنّا نقطع بأنّهم لا يعلمون تحرير العقائد بالأدلّة.
والجواب عن هذه الوجوه الثلاثة : أنّ تحرير الأدلّة بالعبارات المصطلح عليها ، ودفع الشبهة الواردة عليها ليس بلازم ، بل اللازم معرفة دليل إجمالي يوجب الطمأنينة وإن كان اتّفاق العقلاء ، أو قول من يوثق به من النبيّ ، أو الإمام ، وهذا يحصل بأيسر نظر ويتمكّن منه كلّ أحد ، وقد كان النبيّ صلىاللهعليهوآله والصحابة يعلمون من عوامّ العرب علمهم بهذا القدر ، كما إذا
__________________
(١) محمّد (٤٧) : ١٩.
(٢) اقتباس من الآية ٨ في سورة الروم (٣٠).
(٣) الكافي ٣ : ٢٣٨ ، باب المسألة في القبر و ... ، ح ١١.
(٤) حكاه الفخر الرازي في المحصول ٦ : ٩٢ ، والآمدي في الإحكام ٤ : ٢٣١ ، وابن الحاجب في منتهى الوصول : ٢١٩.
(٥) هم الحشويّة والتعليميّة والعنبري.
(٦) هذا مثل يقال لمن لا يميّز فعل من يهرّ في وجهه من فعل من يبرّ به.