والحقّ أنّها ليست من الشرائط ؛ لأنّ شأن الفقيه بيان نفس الأحكام الشرعيّة ، والحكم باتّصال الشرطيّات ، وليس عليه بيان موضوعاتها وتحقيق أطراف الشرطيّة ؛ فليس عليه في قول القائل : « لزيد عليّ ستّة إلاّ نصف ما لعمرو » و « لعمرو عليّ ستّة إلاّ نصف ما لزيد » إلاّ الحكم بأنّه إقرار ، وأمّا بيان كميّة المقرّ به ، فليس من وظيفته.
وكذا ليس عليه إلاّ الحكم بأنّ البلاد المتقاربة في المطالع حكمها في رؤية الهلال واحد ، وأنّ البيع بشكل العروس جائز ، وأنّ الجنون والقرن ممّا يجوز أن ينفسخ به النكاح ، وأمّا بيان أنّ أيّ البلاد متقاربة ، وشكل العروس ما ذا ، والجنون أو القرن ما ذا ، فليس وظيفته.
الثامن : فروع الفقه ، ولا ريب في أنّ ممارستها ممّا يعين على الاستنباط ، ولكنّه لا يتوقّف عليها. ووجهه ظاهر.
فصل [٤]
أجمع الإماميّة على أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله لم يكن متعبّدا بالاجتهاد ، وأحكامه كانت قطعيّة صادرة عن الوحي لا عن الاجتهاد ، وهذا يعمّ عندهم سائر المعصومين عليهمالسلام.
وذهب أكثر العامّة إلى أنّه كان متعبّدا بالاجتهاد فيما لا نصّ فيه.
لنا : قوله تعالى في حقّه : ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى )(١) ، وهو يدلّ على العموم وكون كلّ ما نطق به وحيا ، وتخصيصه بالقرآن لا دليل عليه.
والقول بأنّ الاجتهاد بالوحي قول بالوحي لا نطق عن الهوى (٢) ، مدفوع بأنّ الوحي بالاجتهاد لا يحصل ما ينطق به وحيا ، كما لا يصير اجتهادنا لأمره تعالى به في قوله : ( فَاعْتَبِرُوا )(٣) وحيا.
ولنا : أيضا قوله تعالى : ( قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى )(٤) ،
__________________
(١) النجم (٥٣) : ٣ ـ ٤.
(٢) قاله ابن الحاجب في منتهى الوصول : ٢١٠.
(٣) الحشر (٥٩) : ٢.
(٤) يونس (١٠) : ١٥.