الكرّ الملفّق من نصفين نجسين مع عدم التغيير هل هو فرد له ويندرج تحته حتّى يحكم بطهارته ، أو لا يندرج فيه حتّى يحكم ببقائه على النجاسة؟ وكذا الحكم في اندراج الماء الممزوج بالورد في قوله : « كلّ ماء طاهر حتّى يعلم أنّه قذر » (١) ، واندراج الخارج من بيته قبل بلوغه حدّ الترخّص في الحاضر أو المسافر. وقس عليها أمثالها ، وهي في الكثرة بحيث لا تحصى.
ولا ريب أنّ الترجيح والعلم بالملازمة والحكم بالفرديّة أو عدمها بدون حصول هذه الملكة ممتنع ، والتجربة شاهدة عليه ، ولذا ترى كثيرا ممّن صرف عمره في الفقه وبلغ منه الغاية لا يقدر عند التعارض من الترجيح والخلاص ، ولا يتعلّق ظنّه بما يحصل له الاطمئنان ، ولا يتنبّه على اللوازم والأفراد الخفيّة ، وربما تنبّه بعضهم ببعضها بعد نصب ولغوب ، وصاحب الملكة تنبّه بسهولة.
وربما ردّ بعضهم الجزئي إلى غير قاعدته ، ويقتنص الفرع من غير أصله ، ويحكم بلزوم ما ليس بلازم وخروج ما هو لازم ، وبفرديّة ما ليس بفرد ، وبعدم فرديّة ما هو فرد ، ومثله تشبّه ذا الملكة كتشبّه السوفسطائي بالحكيم.
وترى جماعة ممّن انقضى عمره في تحصيل المنطق وعلم قواعده وبلغ منه الغاية و (٢) لا يقدر على ترتيب الأقيسة من عند نفسه ، وترى طائفة ممّن وجّه همّته في تحصيل النجوم وعلم قواعده وضوابطه و (٣) لا يتمكّن من استخراج حكم من النظرات والعلامات التي أحكامها متناقضة ، ولا يقدر على التخريج.
وترى جمّا غفيرا ممّن بيّض لمّة لحيته في الطبّ يعجز عند العمل ، وإذا تعارض علامات الأمراض ، لا يقدر على معرفة المرض ، ولا يقدر في بعض الأمراض الخفيّة عن معرفة أسبابها.
ففي جميع هذه العلوم يتوقّف الخلاص عن مضيق التعارض وأخذ النفس ما يحصل لها
__________________
(١) الكافي ٣ : ١ ، باب طهور الماء ، ح ٢ و ٣ ، وتهذيب الأحكام ١ : ٢١٥ ، ح ٦١٩.
(٢ و ٣) كذا في النسختين. والظاهر زيادة الواوين ، لأنّ ما بعدهما مفعول ثان لترى إلاّ أن يكون « ممّن » مفعولا ثانيا لا بيانا.