فصل [٢٨]
اختلفوا في جواز العمل بالعموم قبل البحث عن طلب (١) المخصّص ، فقيل : يجوز (٢).
وقيل : لا يجوز (٣).
ويشترط حصول الظنّ بعدمه بالفحص عنه ، لا بأصالة عدمه.
وقيل : بل يشترط حصول القطع بعدمه (٤). وخير الأقوال أوسطها.
لنا على اشتراط الظنّ أنّ الاجتهاد بذل الجهد واستفراغ الوسع ، فيجب على المجتهد البحث عن الأدلّة وكيفيّة دلالتها ؛ والنظر في وجوه التراجيح والتخصّص كيفيّة في الدلالة.
وأيضا شيوع المثل المشهور (٥) لو لم يوجب الظنّ بوجوده ، فلا ريب في إيجابه الشكّ في وجوده ، فلو عمل به قبل الفحص ، لزم العمل بالشكّ ، مع أنّ توقّف حصول امتثال أمر الشارع على القطع أو الظنّ بمراده في غاية الظهور.
وعلى هذا لا يحصل الظنّ بشيء من أفراد العامّ قبل الفحص أنّه المراد ، أو داخل فيه بطريق التعيين ؛ لأنّه مع احتمال المخصّص يمكن في كلّ فرد أن يكون هو المخرج من غير ترجيح لفرد على الآخر ، فحصل الإجمال ، وينسدّ طريق الاستدلال به.
فإن قيل : يلزم على ما ذكرت أن يكون نسبة صيغ العموم إلى العموم والخصوص متساوية ، فلا معنى لتبادر العموم منها.
قلت : التبادر إنّما هو بالنسبة إلى نفس الصيغة مع قطع النظر عن الامور الخارجة كالمثل (٦) ، كما هو الشأن في حقائق المجازات الراجحة.
فإن قيل : إذا كانت الصيغة حقيقة في العموم ، والتخصيص (٧) خلاف الأصل ، فيجب العمل
__________________
(١) هذه الكلمة مستغنى عنها.
(٢) قاله العلاّمة في تهذيب الوصول : ١٣٨ ، وحكاه الأسنوي عن الصيرفي في نهاية السؤل ٢ : ٤٠٣.
(٣) قاله الغزالي في المستصفى : ٢٥٦.
(٤) حكاه الغزالي عن القاضي الباقلاني في المستصفى : ٢٥٦ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٢ : ٤٠٤.
(٥) والمراد به قولهم : « ما من عامّ إلاّ وقد خصّ ».
(٦) تقدّم آنفا.
(٧) في « أ » : « التخصّص ».