قلت : جميع الخطابات معلّقة على شرائط التكليف ، وهي مختلفة في الكيفيّة والكمّيّة بالنسبة إلى آحاد المكلّفين ، فمن حصلت له يدخل تحته ، وهذا أمر واحد لا تعدّد فيه ليلزم ما ذكر.
ثمّ إنّه لمّا اورد على هذا القائل اشتراك المعدومين للموجودين ، واللاحقين للماضين في الأحكام المستفادة من خطابات المشافهة ، أجاب بأنّ الاشتراك قد علم بالإجماع ، بل بالضرورة من الدين ، لا لتناول الخطاب بصيغته لهم (١).
ويدفعه ما ذكرنا من احتجاج السلف حتّى الأئمّة عليهمالسلام بها من غير ذكر إجماع أو دليل آخر ؛ لأنّه لو كان تناولها لهم للإجماع ، لكان هو الدليل ، لا هي.
واحتجّ القائل بالجواز مطلقا بالدليل الرابع (٢) ، وبأنّه لو لم يكن الرسول صلىاللهعليهوآله مخاطبا لمن بعده لم يكن مرسلا إليه ؛ لأنّ المرسل هو المبلّغ ، ولا تبليغ إلاّ بهذه العمومات (٣).
والجواب عنهما : أنّ الشمول المجازي يصحّح الاحتجاج والتبليغ ، ولا يتوقّفان على التناول حقيقة.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه يظهر فائدة الخلاف في مسائل كثيرة ، فإنّه إذا تناول الخطاب للمعدومين والغائبين حقيقة أو مجازا ، لكان تكليفهم على ما يفهمونه من الخطاب ، لا على نحو ما كلّف به الحاضرون ؛ لأنّ تكليف الحكيم بما لا يفهمه المخاطب قبيح. ولو لم يتناولهم ويثبت الاشتراك بالإجماع أو دليل آخر لكان تكليفهم على نحو ما كلّف به المخاطبون ، فيلزم عليهم الفحص ليعلموا كيفيّة تكليفهم ، مثلا ، يصحّ الاحتجاج بالوجوب العيني بصلاة الجمعة في زمن الغيبة بالآية (٤) على الأوّل ؛ لإطلاق الأمر بحضورها ، فيتناول زمان الغيبة ، ولا يصحّ على الثاني ؛ لأنّه للخصم أن يقول : هذا خطاب مشافهة ، والأمر لهم إنّما هو بحضور صلاة النبيّ صلىاللهعليهوآله. والإجماع على اشتراك جميع المكلّفين للمخاطبين إنّما هو على
__________________
(١) المجيب هو ابن الحاجب في منتهى الوصول : ١١٨ ، والفاضل التوني في الوافية : ١٢٠.
(٢) وهو قوله : « ومنها احتجاج العلماء ... ».
(٣) ذكره ابن الحاجب في منتهى الوصول : ١١٧.
(٤) الجمعة (٦٢) : ٩ : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ... ).