[ المقدّمة ] الثانية : الفساد مقابل الصحّة ، وهي في العبادات ـ ويقال لها : « الصحّة العباديّة » ـ إمّا موافقة الأمر ، كما قال به المتكلّمون (١). أو كون الفعل بحيث يسقط به القضاء ، كما قال به الفقهاء (٢). فالفساد فيها إمّا عدم موافقة الأمر ، أو كون الفعل بحيث لا يسقط به القضاء ، ويقال له : « الفساد العبادتي » (٣). وقد عرفت (٤) أنّ الحقّ قول المتكلّمين.
وأمّا الصحّة في العقود والمعاملات ـ ويقال لها : « الصحّة السببيّة » ـ فهي ترتّب الأثر الشرعي وفاقا ، فالفساد فيها عدم ترتّبه ، ويقال له : « الفساد السببي ».
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ ما اخترناه يشتمل على دعويين :
إحداهما : أنّ النهي عن الشيء لعينه ، أو جزئه ، أو وصفه المطلق في العبادات يدلّ على الفساد لغة وشرعا.
واخراهما : أنّه لا يدلّ عليه في المعاملات مطلقا.
لنا على الاولى وجوه :
[ الوجه ] الأوّل : أنّ العبادة المنهيّ عنها لعينها ، أو جزئها ، أو شرطها لا توافق أمر الشارع ؛ إذ لو وافقته ، لكانت مأمورا بها أيضا وهو باطل ؛ لاستحالة اجتماع الأمر والنهي على شيء واحد ؛ للإجماع (٥) ، ولأنّ النهي يكشف عن كون المأتي به مفسدة (٦) قبيحة ، والأمر يقتضي كونه مصلحة (٧) حسنة وهما متضادّتان ، فلا تجتمعان في محلّ واحد.
وعدم الموافقة هو الفساد في العبادات ، كما عرفت (٨). وقد تبيّن فيما تقدّم بيان استحالة
__________________
(١) حكاه عنهم الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٢٠٩.
(٢) حكاه عنهم الفخر الرازي في المحصول ٢ : ٢٩١.
(٣) كذا في النسختين. والصحيح : « الفساد العبادي ».
(٤) تقدّم آنفا.
(٥) لا يخفى ما في تعليل الاستحالة بالإجماع ، إلاّ أن يسقط من هنا العاطف فيكون وجها ثانيا لعدم الموافقة.
(٦ و ٧) والمراد هو ذا مفسدة ومصلحة إمّا بتقدير « ذي » ، أو بحمل « المفسدة » و « المصلحة » على سبب الفساد والصلاح كما في اللغة. وقوله : « هما متضادّتان فلا تجتمعان في محلّ واحد » يؤيّد الأوّل.
(٨) تقدّم آنفا.