ومنها القحط والجدب (١). وكم يذكرنا هذا بتلك القسمة الثلاثية التي قال بها ليبنتز بعده بنحو سبعة قرون ، وتقوم على تقسيم الشرور إلى ثلاثة أقسام : طبيعية ، وأخلاقية ، وميتافزيقية (٢).
وإذا كان الشر موجودا ، فكيف نوفّق بينه وبين عناية الله وخيرية العالم؟ هذا ما أجهد ابن سينا نفسه فى توضيحه ، ملاحظا أن هذه الشرور لا تتنافى مع العناية فى شىء.ذلك لأنها طفيفة وجزئية ، فلا توجد إلا فيما تحت فلك القمر ، أما عالم السماوات فخير كله ، ولا جدال فى أن عالم الأرض أصغر بكثير من عالم السماء. على أن الشرور الأرضية نفسها محدودة ، فهى لا تصيب إلاّ أشخاصا وفى أوقات معينة ، فى حين أن الأنواع محفوظة والفرد لا أهمية له بجانب النوع (٣). وهناك شرور ظاهرية ، أو إن شئت نسبية ، ليست شرا فى ذاتها ، كالجهل بالفلسفة أو الهندسة يكون شرا بالنسبة لأناس ، ولا ضير فيه على آخرين (٤) ، وكالنار تكون شرا إن أحرقت الناسك الفقير ، وخيرا إن ساعدت على نضج الطعام (٥). وهناك شرور صغيرة توصل إلى خير محقق ، وتقى من شر أعظم ، وكثيرا ما تحدثوا عن أخف الضررين وأهون الشرين ، دون أن يتعارض هذا مع كمال الكون وصلاحه (٦). ووجود هذه الشرور لا يعنى أنها غير مرادة ، فإن الحكمة فيها واضحة والمصلحة منها ظاهرة ، ولا غضاضة مطلقا من دخول الشر فى القضاء الإلهى (٧). ولن يحول دخوله دون القول بخيرية العالم ، لأن أكثريته فى جانب الخير ، وليس فى الإمكان أبدع مما كان (٨).
__________________
(١) المصدر السابق ، ص ٤١٥.
(٢) Leibnitz ,Theodicee ,I Partio .٢١ .
(٣) ابن سينا ، الإلهيات ، ج ٢ ، ص ٤١٧.
(٤) المصدر السابق.
(٥) المصدر السابق ، ص ٤٢٠.
(٦) المصدر السابق ، ص ٤١٨.
(٧) المصدر السابق ، ص ٤٢١.
(٨) المصدر السابق ، ص ٤٢٠ ؛ جميل صليبا ، الكتاب الذهبى ، ص ١٩٠ ـ ١٩٩.