أمثال أبى القاسم الكرمانى (١) ، وينعتهم « بالمعطلة » ، لأن قولهم بحدوث العالم يؤدى إلى تعطيل وجود واجب الوجود قبل أن يوجد العالم (٢). فالله علة فاعلة خلاقة ، خلقت العالم قبل الزمان ، وبقى متوقفا عليها إلى النهاية.
والقول بخلق العالم يلتقى مع تعاليم الإسلام ، بقدر ما يبتعد عن الأرسطية ، ولا سيما وهو على ذلك النحو من الصدور الذي يرجع إلى أصل أفلوطينى واضح. غير أن هذا الخلق يكاد يكون صوريا ، لأنه لا يدع مجالا للحرية والاختيار ، ويخضع الخالق جل شأنه للضرورة ونظام الكون العام. وبذا لا يرضى المعتزلة ولا الأشاعرة الذين يرون أن الله حر ، يخلق أو لا يخلق كما يشاء ، « إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ». وابن سينا الحريص على التوحيد يغدق على العقول المفارقة صفات تكاد تختلط بها مع واجب الوجود ، وتنتهى إلى تعدد لم يرده. والواقع أن العقول العشرة نظرية متهافتة ، وهى فى أساسها فلكية طبيعية ، وازداد تهافتها باستخدامها فى الإلهيات. وقد انقضى الزمن الذي كانت تفسر فيه حركات الأفلاك تفسيرا غيبيا أسطوريا ، بعد أن اكتشف نيوتن قانون الجذب العام.
٩ ـ العناية :
فى الكون آيات عجيبة وحكم باهرة لا يمكن أن تصدر اتفاقا ، وإنما جاءت وليدة تدبير محكم ونظام دقيق ، وهذا ما نسميه العناية. ويراد بها علم الله الأزلى بنظام الخير والكمال ، وصدور العالم عنه وفق ذلك وعلى أكمل وجه ممكن (٣) ، ولكن هل معنى هذا إلا سبيل للشر إلى هذا العالم؟ استمسك بهذا قوم ، وأنكره آخرون.
ولا يجد ابن سينا بدا من التسليم بوجود الشر ، وكيف لا وهو يراه بعينه ، ويسمعه بأذنه. ويذهب إلى أن الشرور متنوعة : فمنها الأمراض والآلام ، ومنها الذنوب والمعاصى ،
__________________
(١) محمد ثابت الفندى ، الكتاب الذهبى للهرجان الألفي لذكرى ابن سينا ، القاهرة ١٩٥٢ ، ص ٢٠٤.
(٢) ابن سينا ، الإلهيات ، ج ٢ ، ص ٣٨٠.
(٣) المصدر السابق ، ص ٤١٤ ـ ٤١٥.