والمبدأ الأول واحد من جميع الوجوه ، واحد فى ذاته ، واحد فى صفاته. فلا شريك له ، ولا ندّ ، ولا ضد. برئ من المادة وعلاقاتها ، فلا كمّ له ، ولا كيف ، ولا أين ، ولا متى. وإذن لا جنس له ، ولا فصل ، ولا نوع ، ولا حد ، ولا ماهية. ولا برهان عليه أيضا ، لأنه برهان نفسه ، وبرهان كل شىء سواه. ويمكن أن يقال إنه جوهر ، بل هو الجوهر الحق فى الواقع ، إذ لا يوجد فى موضوع بحال ، ولكن الأولى ألا يطلق عليه هذا اللفظ (١).
وهو خير محض ، لأنه وجود تام ، والوجود خير دائما ، ومصدر الخيرات والكمالات كلها (٢). مبرأ من كل عيب ونقص ، فهو جمال وكمال وبهاء ، بل هو غاية فى كل ذلك ، ومصدر الكمال والبهاء فى كل شيء (٣). هو الحق المطلق الذي لا يرقى إليه أى شك ، والاعتقاد بوجوده جازم صادق (٤). يعشق ذاته التي هى مبدأ كل نظام ، فهو عاشق ومعشوق فى آن واحد ، إلا أن عشقه لا حركة فيه ولا انفعال (٥).
وأخيرا هو عقل محض يعقل ذاته ، فهو عاقل ومعقول ، وليس فى ذلك تعدد البتة لأنه ينصب على شىء واحد (٦). وهو فى عقله لذاته يعقل أنه مبدأ كل شىء ، فيعقل الموجودات جميعها على نحو كلى لا تشوبه شائبة التغير ولا يختلط بالزمن (٧). وكثرة المعقولات لا تؤدى إلى كثرة فى ذاته ، لأن تكثرها إنما يتم بعد انفصالها عنه (٨). يعقل الأسباب فيعقل مسبباتها ، وبذا يحيط علمه بكل شىء ، « لا يعزب عنه مثقال ذرة فى السماوات ولا فى الأرض » (٩).
__________________
(١) المصدر السابق ، ص ٣٤٤ ـ ٣٥٤.
(٢) المصدر السابق ، ص ٣٥٦.
(٣) المصدر السابق ، ص ٣٥٦ ، ٣٦٨ ـ ٣٦٩.
(٤) المصدر السابق ، ص ٣٥٦.
(٥) المصدر السابق ، ص ٣٦٣.
(٦) المصدر السابق ، ص ٣٥٧.
(٧) المصدر السابق ، ص ٣٥٩.
(٨) المصدر السابق ، ص ٣٥٩ ، ٣٦٠ ـ ٣٦٢.
(٩) المصدر السابق ، ص ٣٥٩.