لأنه « أيس » بعد « ليس » مطلق (١). وقد يطلق الإبداع على معان أخرى ، وأوضحها الخلق ابتداء من غير مادة سابقة ، وأسمى صوره ما لم يكن بعلة متوسطة ، وإنما يصدر عن العلة الأولى مباشرة (٢). وهنا تظهر ناحية يتميز بها ابن سينا ، وهى حرصه على دقة المصطلحات الفلسفية ، فيحدد معنى الإبداع ، ويلجأ إلى لفظين جديدين يحرص عليهما ويعتز بهما ، ويستعملهما للدلالة على الوجود والعدم ، وهما « الأيس والليس ». وقد استلفتا نظر الخليل بن أحمد اللغوى المشهور من قبل ، وهو ذو نزعة فلسفية معروفة (٣).
وتعتبر العلل الأربعة مبادئ للعلوم عامة ، وإن لم تتوفر فيها بنسبة واحدة. فهى على اختلافها من أسس العلم الطبيعى ، والعلل المادية والصورية دعامة العلم الرياضى ، وعلى الفاعلية والغائية يقوم العلم الإلهى (٤).
٧ ـ المبدأ الأول :
سبق لنا أن أشرنا إلى أن العلل متناهية ، تنتهى عند علة أولى هى علة العلل ومبدأ الكل ، وليست معلولة لشىء آخر. وتسمى العلة التامة ، لأن جميع الأشياء توجد من أجلها ، وهى لا توجد من أجل شىء (٥). فالمبدأ الأول واجب الوجود بذاته ، وما عداه ممكن يستمد الوجود منه ، هو مبدأ لأنه يصدر عنه كل شىء ، وأول لأنه سابق أزلا على كل وجود (٦). وهو تام الوجود ، لأنه واجب الوجود بذاته ، ولذاته ، وكل وجود فائض من وجوده (٧).
__________________
(١) المصدر السابق ، ص ٢٦٥ ـ ٢٦٦.
(٢) المصدر السابق ، ص ٢٦٧.
(٣) الفيروزآبادي ، القاموس المحيط ، القاهرة ١٣٤٤ ه ، ج ٢ ص ١٥٠.
(٤) ابن سينا ، الإلهيات ، ج ٢ ، ص ٢٩٨ ـ ٣٠٠.
(٥) المصدر السابق ، ص ٣٢٧ ـ ٣٤١.
(٦) المصدر السابق ، ص ٣٤٢ ـ ٣٤٣.
(٧) المصدر السابق ، ص ٣٥٥.