وهو بهذا يفترق على كل حال عن أرسطو ، فبينما يقول الأخير بالمادة والصورة ليفسر التغير فى عالم قديم أزلى ، إذا بالأول يستخدم الفرض نفسه ليفسر الخلق الذي جاء به القرآن. وما الوجود إلا اتصال المادة بصورتها ، والعدم انفصالها عنها. والصور موجودة أزلا فى العقل الفعّال الذي يعطيها فيتحقق الكون ، ويسلبها فيحدث الفساد (١). وبذا نخرج من غموض المادة الأرسطية إلى هيولى وعناصر أزلية ، يشكلها ويصورها العقل الفعّال على مقتضى الحكمة.
وكانت فكرة الخلق هذه من بين الأفكار التي قرّبت ابن سينا من فلسفة القرون الوسطى المسيحية ، لأنها ترمى إلى التوفيق بين الدين والفلسفة. ومع هذا لم ترض كثيرين فى الشرق والغرب ، لأن هذا الخلق الأزلى يكاد يكون صوريا ، ولا يدع للبارئ المبدع مجالا يعتد به.
وفى مقابلة ابن سينا بين المادة والصورة مقابلة واضحة ما أثار مشكلة مبدأ الفردية ( Principe d`individuation ) ، تلك المشكلة المدرسية الخالصة. هل أساس فردية الموجود وتشخصه مادته أو صورته؟ لعل ابن سينا أميل ـ برغم ما زعمه جيوم دوفرنى ـ إلى القول مع دونس اسكوت بأنه الصورة ، فى حين أن القديس توماس يقول بالمادة. ومهما يكن من أمر فهذه المشكلة لم تستوقف فلاسفة الإسلام بقدر ما استوقفت فلاسفة الغرب.
٥ ـ القوة والفعل :
تطلق القوة على مقدرة الحيوان على الحركة وإحداث أفعال مختلفة ، وهى بهذا فاعلية. وتطلق أيضا على مدى تحمله ومقاومته إذا ما اشتد عليه العمل أو أصيب بأذى بحيث لا ينفعل ، فهى انفعالية (٢). وفى كلتا الحالين قد تكون مجرد استعداد وتهيؤ ، فتصبح مبدأ تغير ووسيلة للانتقال من حال إلى أخرى (٣). والقوى نطقية تستلزم عقلا وتخيلا
__________________
(١) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٤١٠ ـ ٤١٤.
(٢) المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٧٠.
(٣) المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٧١.