بجوهر يكون تارة مفردا ، وأخرى صورة مجردة. وقد شاء ابن سينا أن يخرج من هذا المأزق بالتعويل على قسمة الجواهر إلى جسمية ومفارقة ، وطبيعة كل من النوعين تختلف عن الأخرى تمام الاختلاف ، وليس بينها من جامع إلا أن كلا منهما يقوم بنفسه ، وهذا جامع منطقى أكثر منه ميتافزيقى. والجواهر المفارقة التي يعتد بها ابن سينا الاعتداد كله تقرّبه من الأفلاطونية بقدر ما تبعده عن الأرسطية.
٤ ـ المادة والصورة :
يتكون كل جوهر جسمى من مادة وصورة ، ولا يمكن أن توجد إحداهما بالفعل بمعزل عن الأخرى (١). ذلك لأن الوجود ثمرة تلاقيهما ، وما المادة إلا استعداد وتهيؤ للقبول ووجود بالقوة ، والصورة تحصيل وتحقيق بالفعل (٢). وإذن لا وجود للمادة الجسمية إلا بوجود الصورة ، ولا وجود للصورة الجسمية إلا بوجود المادة (٣). فهما متلازمتان ، وتوهم مادة جسمية بمعزل عن الصورة خروج بها من عالم الوجود الفعلى (٤). ومع هذا ليست المادة والصورة من مقولة المضاف بحيث لا يعقل أحدهما إلا بالقياس إلى الآخر ، إذ أنا نعقل كثيرا من الصور الجسمية ، ويعز علينا أن نثبت لها مادة (٥).
غير أن الصور ليست كلها جسمية ، فهناك صور مفارقة للمادة لا تتصل بها مطلقا (٦). والصورة المادية نفسها أقدم من وجود المادة الجسمية ، يمنحها « واهب الصور » ، فيتم الوجود (٧). ولا يسترسل ابن سينا فى هذا هنا ، ملاحظا أنه سيعرض له على شكل أظهر فى مواضع أخرى (٨).
__________________
(١) ابن سينا ، الإلهيات ، ج ١ ، ص ٧٢.
(٢) المصدر السابق ، ص ٧٤.
(٣) المصدر السابق ، ص ٧٩.
(٤) المصدر السابق ، ص ٧٧.
(٥) المصدر السابق ، ص ٨٠.
(٦) المصدر السابق ، ص ٨٧ ـ ٨٨.
(٧) المصدر السابق ، ص ٨٩.
(٨) المصدر السابق.