ابن سينا وأستاذه أن يعارضا فى غير جدوى « علم الكلام » الذي استمسكت به الفرق والمدارس المعاصرة ، وآثرت المدارس الإسلامية المتأخرة « علم العقائد » أو « علم التوحيد » ، أو « ما بعد الطبيعة » إن نحت منحى فلسفيا خالصا.
لم يعرض ابن سينا مطلقا فى « إلهياته » لنسبة « كتاب الميتافزيقى » إلى أرسطو ، تلك النسبة التي كانت موضع أخذ ورد ، لم يعرض لها لأنه لم يعن كثيرا بالأصول التاريخية ، هذا إلى أنه لم يخامره أى شك فى صحتها.
٣ ـ الجوهر :
إذا كان موضوع الميتافزيقى هو الموجود ، فإن الجوهر يعد من أهم أبوابها ، لأنه أساس الموجودات ، يوجد بنفسه ولا يقوّم بغيره. يقوّم العرض ولا يتقوّم به ، ويسبق الأعراض كلها فى الوجود (١). والجوهر جسمية وغير جسمية ، والجوهر الجسمانى ما كان ذا كيفيات ثابتة ، أو ما اتسم بصورة معينة (٢). والجواهر غير الجسمية إما جزء جسم كالمادة والصورة ، أو مفارقة للجسم مطلقا كالنفس والعقل (٣). وبقدر ما يتوسع ابن سينا هنا فى الجواهر الجسمية وأجزاء الجسم ، يهمل تماما الجواهر المفارقة ، وكأنما يؤخرها إلى المقالتين الثامنة والتاسعة حيث يعرض للمبدإ الأول والعقول والنفوس الفلكية.
ولسنا فى حاجة أن نشير إلى أنه يردد أفكارا أرسطية ، وإن كان يهمل الجواهر الثانية التي يراها ألصق بالمنطق منها بالميتافزيقى. والواقع أن فكرة الجوهر عند أرسطو لا تخلو من تناقض ، فالجوهر الحقيقى عنده هو المفرد ، ما يحس وما يرى ، وما لا يوجد فى موضوع بحال (٤). ثم هو فى الوقت نفسه صورة مجردة صالحة لأن تصدق على موجودات أخرى ، وهذه الصورة أقرب ما يكون إلى المثل الأفلاطونية. وليس بيسير أن نقول
__________________
(١) ابن سينا ، الإلهيات ، ج ١ ، ص ٥٧ ـ ٥٨.
(٢) المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٦٠ ـ ٦٣.
(٣) المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٦٠.
(٤) Aristote .Metapk .Z .٣ .