هبته ليبلو فيهما صبرك وشكرك ، وارج الله رجاء لا يجرئك على معصيته ، وخفه خوفا لا يؤيسك من رحمته ، ولا تغتر بقول الجاهل ولا بمدحه فتكبر وتجبر و تعجب بعملك ، فان أفضل العمل العبادة والتواضع ، فلا تضيع مالك وتصلح مال غيرك ما خلفته وراء ظهرك ، واقنع بما قسمه الله لك ، ولا تنظر إلا إلى ما عندك ، ولا تتمن ما لست تناله ، فان من قنع شبع ، ومن لم يقنع لم يشبع ، وخذ حظك من آخرتك ، ولا تكن بطرا في الغنى ، ولا جزعا في الفقر ، ولا تكن فظا غليظا يكره الناس قربك ولا تكن واهنا يحقرك من عرفك ، ولا تشار (١) من فوقك ، ولا تسخر بمن هودونك ، ولا تنازع الامر أهله ، ولا تطع السفهاء ، ولا تكن مهينا تحت كل أحد ، ولا تتكلن على كفاية أحد ، وقف عند كل أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه قبل أن تقع فيه فتندم ، واجعل قلبك قريبا تشاركه (٢) واجعل علمك والدا تتبعه ، واجعل نفسك عدوا تجاهده ، وعارية تردها ، فانك قد جعلت طبيب نفسك ، وعرفت آية الصحة وبين لك الداء ، ودللت على الدواء. فانظر قيامك على نفسك ، وإن كانت لك يد عند إنسان فلا تفسدها بكثرة المنن والذكر لها ، و لكن اتبعها بأفضل منها ، فان ذلك أجمل بك في أخلاقك ، وأوجب للثواب في آخرتك ، وعليك بالصمت تعد حليما ـ جاهلا كنت أو عالما ـ فإن الصمت زين لك عند العلماء ، وستر لك عند الجهال.
يا ابن جندب إن عيسى بن مريم عليهالسلام قال لاصحابه : « أرأيتم لو أن أحدكم مر بأخيه فرأى ثوبه قد انكشف عن بعض عورته أكان كاشفا عنها كلها أم يرد عليها ما انكشف منها؟ قالوا : بل نرد عليها ، قال : كلا ، بل تكشفون عنها كلها ـ فعرفوا أنه مثل ضربه لهم ـ فقيل : يا روح الله وكيف ذلك؟ قال : الرجل منكم يطلع على العورة من أخيه فلا يسترها. بحق أقول لكم إنكم لا تصيبون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون ، ولا تنالون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون.
____________________
(١) ولا تشار أى ولا تخاصم.
(٢) في بعض النسخ «تتنازله» وفى بعضها «تشاوره».