موضعا لعرشه ، ولا مسكنا لملائكته ، ولا مصعدا للكلم الطيب والعمل الصالح من خلقه جعل نجومها أعلاما يستدل به الحيران في مختلف فجاج الاقطار ، لم يمنع ضوء نورها ادلهمام ، سجف الليل المظلم (١) ولا استطاعت جلا بيب سواد الحنادس (٢) أن ترد ماشاع في السموات من تلا لوء نور القمر.
فسبحان من لا يخفى عليه سواد غسق داج ، ولا ليل ساج ، في بقاع الارضين المتطأطئات ، ولا في يفاع السفع المتجاورات (٣) وما يتجلجل به الرعد في افق السماء ، وما تلاشت عنه بروق الغمام (٤) وما تسقط من ورقة تزيلها عن مسقطها عواصف الانواء ، وانهطال السماء (٥) ويعلم مسقط القطرة ومقرها ، ومسحب
____________________
(١) ادلهمام الظلمة كثافتها وشدتها ، واسودمد لهم مبالغة. والسجف ـ بالكسر ـ الستر كالسجف بالفتح.
(٢) جلا بيب جمع جلباب ـ بالكسر ـ ثوب واسع تغطى به المرأة ثيابها من فوق كالملحفة وقيل هو الخمار. والحنادس جمع حندس ـ بكسر الحاء ـ الليل المظلم.
(٣) طأطأ رأسه أى خفضه فتطأطأ أى تواضع وانحنى ووصف الارضين بالمتطأطئات لكونها موطأ للاقدام وتحت السماوات. واليفاع : التل او مطلق مرتفع الارض. والسفع جمع سفعاء : السواد تضرب إلى الحمرة المراد الجبال ، والغرض احاطة علمه بالسافل والعالى.
(٤) الجلجلة : صوت الرعد. وتلاشت أى اضمحلت أى يعلم ما يصوت به الرعد و ما يضمحل عنه البرق.
(٥) العواصف الرياح الشديدة. والانواء جمع نوء ـ بالفتح ـ وهى ثمان وعشرون منزلة ينزل القمر كل ليلة في منزلة منها. ويسقط في المغرب كل ثلاث عشرة ليلة منزلة مع طلوع الفجر وتطلع اخرى مقابلتها ذلك الوقت في المشرق فينقضى جميعها مع انقضاء السنة. وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع رقيبها يكون مطر وينسبونه اليها فيقولون مطرنا بنوء كذا ، وانما سمى نوعا لانه اذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق أى نهض وطلع. وقيل : المراد بالنوء الغروب وهو من الاضداد ، واضافة العواصف إلى الانواء من الاضافة إلى الظرف لكثرة هبوب العواصف في أوقات الانواء على مجرى العادة