حتى خلصت (١) ، ولا طها بالبلة حتى لزبت (٢) ، فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول (٣) وأعضاء وفصول ، أجمدها حتى استمسكت ، وأصلدها حتى صلصلت (٤) لوقت معدود ، وأجل معلوم ، ثم نفخ فيها من روحه ، فمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها وفكر يتصرف بها ، وجوارح يختدمها (٥) وأدوات يقلبها ، ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل ، والاذواق والمشام والالوان والاجناس معجونا بطينة الالوان المختلفة والاشباه المؤتلفة ، والاضداد المتعادية ، والاخلاط المتباينة ، من الحر والبرد والبلة والجمود [ والمساءة والسرور ] واستأدى الله سبحانه الملائكة وديعته لديهم (٦) ، وعهد وصيته إليهم في الاذعان بالسجود له ، والخشوع لتكرمته ، فقال سبحانه : « اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس » [ وقبيله ] اعترته الحمية ، وغلبت عليه الشقوة ، وتعزز بخلقة النار ، واستوهن خلق الصلصال. فأعطاه الله النظرة استحقاقا للسخطة ، واستتماما للبلية ، وإنجازا للعدة ، فقال : إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم » (٧).
____________________
(١) سن الماء : صبه من غير تفريق واما الصب المتفرق فهو الشن بالمعجمة. وخلصت اى صارت طينة خالصة. وفى بعض النسخ من النهج « حتى خضلت بتقديم الضاد المعجمة على اللام اى ابتلت.
(٢) لا طها اى خلطها وعجنها. ولزبت بفتح الزاى اى التصقت وثبتت.
(٣) الوصول الفصول باعتبار.
(٤) اصلدها اى جعلها صلبة. والصلد من الحجر الصلب الاملس. وقيل صلبت حتى تسمع لها صلصلة اذا هبت عليها رياح فلذلك سماه الله الصلصال.
(٥) اى يجعلها في مآربه واوطارها كالخدم الذين تستعملهم في خدمتك.
(٦) اى طلب منها اداءها.
(٧) ص : ٨١ و ٨٢.