يقول صاحب الهديّة السنية : « ومما نحن عليه ، أنّ البدعة ـ وهي ما حدثت بعد القرون الثلاثة ـ مذمومة مطلقاً خلافاً لمن قال : حسنة وقبيحة ، ولمن قسّمها خمسة أقسام ، إلّا إن أمكن الجمع بأن يقال : الحسنة ما عليها السلف الصالح شاملة للواجبة والمندوبة والمباحة ، وتكون تسميتها بدعة مجازاً ، والقبيحة ما عدا ذلك شاملة للمحرمة والمكروهة ، فلا بأس بهذا الجمع ... » (١) .
إنّ هذه النظرية الشاذة الغريبة اعتمدت حسب ما يبدو علىٰ روايات وردت في فضل أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقد روىٰ البخاري عن عمران بن الحصين ، يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : خير أُمتي قرني ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، قال عمران : فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثاً ، ثم إنّ بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يفون ، ويظهر فيهم السِّمَنُ (٢) .
وروىٰ أيضاً عن عبدالله إنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : ( خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ، ويمينه شهادته ، قال : قال إبراهيم : وكانوا يضربوننا علىٰ الشهادة والعهد ونحن صغار ) (٣) .
إنّ الاحتجاج بهذه الروايات علىٰ أنّها الميزان في تمييز البدعة عن السُنّة باطل من عدّة وجوه :
__________________
(١) الهدية السنية ، الرسالة الثانية : ٥١ .
(٢) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، لابن حجر العسقلاني ٧ : ٦ باب فضائل أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم .
(٣) المصدر السابق .