فيها البينات والبصاير ، فما لها عند الله عزوجل قدر ولا وزن ، ولا خلق فيما بلغنا خلقا أبغض إليه منها ، ولا نظر إليها مذ خلقها.
ولقد عرضت على نبينا صلىاللهعليهوآله بمفاتيحها وخزائنها لا ينقصه ذلك من حظه من الآخرة فأبى أن يقبلها ، لعلمه أن الله عزوجل أبغض شيئا فأبغضه ، وصغر شيئا فصغره ، وأن لا يرفع ما وضعه الله جل ثناؤه وأن لا يكثر ما اقله الله عزوجل ولو لم يخبرك عن صغرها عند الله ، إلا أن الله عزوجل صغرها عن أن يجعل خيرها ثوابا للمطيعين ، وأن يجعل عقوبتها عقابا للعاصين [ لكفى ] ظ.
ومما يدلك على دناءة الدنيا أن الله جل ثناؤه زواها عن أوليائه وأحبائه نظرا واختيارا ، وبسطها لاعدائه فتنة واختبارا ، فأكرم عنها محمدا نبيه صلىاللهعليهوآله حين عصب على بطنه من الجوع ، وحماها موسى نجيه المكلم ، وكانت ترى خضرة البقل من صفاق بطنه من الهزال ، وما سال الله عزوجل يوم أوي إلى الظل إلا طعاما يأكله لما جهده من الجوع ولقد جاءت الرواية أنه قال : أوحى الله إليه : إذا رأيت الغنى مقبلا فقل : ذنب عجلت عقوبته ، وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل : مرحبا بشعار الصالحين.
وصاحب الروح والكلمة عيسى بن مريم عليهالسلام إذ قال : إدامي الجوع وشعاري الخوف ، ولباسي الصوف ، ودابتي رجلاي ، وسراجي بالليل القمر وصلاي في الشتاء مشارق الشمس ، وفاكهتي ما أنبتت الارض للانعام ، أبيتت وليس لي شئ ، وليس أحد أغنى مني.
وسليمان بن داود وما أوتي من الملك إذ كان يأكل خبز الشهير ، ويطعم أمه الحنطة ، وإذا جنه الليل لبس المسوح ، وغل يده إلى عنقه ، وبات باكيا حتى يصبح ، ويكثر أن يقول : رب إني ظلمت نفسي ، فان لم تغفر لي وترحمني لاكونن من الخاسرين ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
فهؤلاء أنبياء الله وأصفياؤه ، تنزهوا عن الدنيا ، وزهدوا فيما زهدهم الله جل ثناؤه فيه منها ، وأبغضوا ما أبغض ، وصغروا ما صغر ، ثم اقتص الصالحون آثارهم