ذكر الله » (١) وفي الحديث إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم ، فاذا ذكر الله خنس ، وإن نسي الله التقم قلبه.
وكما أن الشهوات ممتزجة بلحم الآدمي ودمه ، فلسطنة الشيطان أيضا سارية في لحمه ودمه ، ومحيطة بالقلب من جوانبه ، ولذا قال صلىاللهعليهوآله : إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم ، فضيقوا مجاريه بالجوع ، وذلك لان الجوع يكسر الشهوة ، ومجرى الشيطان الشهوات ، ولاجل اكتناف الشهوات للقلب من جوانبه قال الله تعالى إخبارا عن إبليس : « لاقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم » (٢).
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إن الشيطان قعد لابن آدم في طرقه ، فقعد له بطريق الاسلام ، فقال له : أتسلم وتترك دينك ودين آبائك؟ فعصاه فأسلم ، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال : أتهاجر وتدع أرضك ونساءك؟ فعصاه فهاجر ، ثم قعد له بطريق الجهاد ، فقال : أتجاهد وهو تلف النفس والمال؟ فتقاتل فتقتل فتنكح نساؤك وتقسم مالك؟ فعصاه فجاهد ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : فمن فعل ذلك فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، فقد ذكر صلىاللهعليهوآله معنى الوسوسة ، فاذن الوسواس معلوم بالمشاهدة.
وكل خاطر فله سبب ، ويفتقر إلى اسم تعرفه ، فاسم سببه الشيطان ، ولا يتصور أن ينفك عنه آدمي ، وإنما يختلفون بعصيانه ومتابعته ، ولذا قال صلىاللهعليهوآله : مامن أحد إلا وله شيطان.
وقد اتضح بهذا النوع من الاستبصار معنى الوسوسة والالهام ، والملك والشيطان ، والتوفيق والخذلان ، فبعد هذا نظر من ينظر في ذات الشيطان وأنه جسم لطيف أو ليس بجسم ، وإن كان جسما فكيف يدخل في بدن الانسان ماهو جسم؟ فهذا الآن غير محتاج إليه في علم المعاملة ، بل مثال الباحث عن هذا كمثال
____________________
(١) المجادلة : ١٩.
(٢) الاعراف : ١٦ و ١٧.