قد فتحها جنود الشيطان وملكوها ، فامتلات بالوساوس الداعية إلى إيثار العاجلة وإطراح الآخرة ، ومبدأ استيلائها اتباع الهوى ، ولا يمكن فتحها بعد ذلك إلا بتخلية القلب عن قوت الشيطان وهو الهوى والشهوات ، وعمارته بذكر الله ، إذ هو مطرح أثر الملائكة ، ولذلك قال الله تعالى : « إن عبادي ليس لك عليهم سلطان » (١) وكل من اتبع الهوى فهو عبد الهوى لا عبدالله فلذلك تسلط عليه الشيطان ، وقال تعالى : « أفرأيت من اتخذ إلهه هواه » (٢) إشارة إلى أن الهوى إلهه ومعبوده ، فهو عبد الهوى لا عبدالله.
ولايمحو وسوسة الشيطان عن القلب إلا ذكر شئ سوى مايوسوس به لانه إذا حضر في القلب ذكر شئ انعدم عنه ما كان فيه من قبل ، ولكن كل شئ سوى ذكر الله ، وسوى ما يتعلق به ، فيجوز أن يكون أيضا مجالا للشيطان فذكر الله سبحانه هو الذي يؤمن جانبه ، ويعلم أنه ليس للشيطان فيه مجال.
ولا يعالج الشيطان إلا بضده ، وضد جميع وساوس الشيطان ذكر الله تعالى والاستعاذة به ، والتبري عن الحول والقوة ، وهو معنى قولك : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ولا حوق ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وذلك لايقدر عليه إلا المتقون الذين الغالب عليهم ذكر الله ، وإنما الشيطان يطوف بقلوبهم في أوقات الفلتات على سبيل الخلسة قال الله تعالى : « إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون » (٣).
وقال مجاهد في قوله : « من شر الوسواس الخناس » قال : هو منبسط على قلب الانسان ، فاذا ذكر الله سبحانه خنس وانقبض ، وإذا غفل انبسط على قلبه.
فالتطارد بين ذكر الله ووسوسة الشيطان ، كالتطارد بين النور والظلام ، وبين الليل والنهار ، ولتطاردهما قال الله تعالى : « استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم
____________________
(١) الحجر : ٤٢.
(٢) الجاثية : ٢٣.
(٣) الاعراف : ٢٠١.