لشرافة الروح وخباثته ، فبهذا الاعتبار نية المؤمن خير من عمله ، ونية الكافر شر من عمله.
الثاني عشر أن نية المؤمن وقصده أولا هو الله ، وثانيا العمل ، لانه يوصل إليه ، ونية الكافر وقصده غيره تعالى ، وعمله يوصله إليه ، وبهذا الاعتبار صح ماذكر.
وهذا الوجه وماتقدمه مستفادان من كلام المحقق الطوسي قدسسره والوجوه المذكورة ربما يرجع بعضها إلى بعض ، وبعد ما أحطت خبرا بما ذكرناه نذكر ماهو أقوى عندنا بعد الاعراض عن الفضول ، وهو الحق الحقيق بالقبول.
فاعلم أن الاشكالات الناشئة من هذا الخبر إنما هو لعدم تحقيق معنى النية وتوهم أنها تصور الغرض والغاية ، وإخطارها بالبال ، وإذا حققتها كما أومأنا إليه سابقا ، عرفت أن تصحيح النية من أشق الاعمال وأحمزها ، وأنها تابعة للحالة التي النفس متصفة بها ، وكمال الاعمال وقبولها وفضلها منطو بها ، ولا يتيسر تصحيحها إلا باخراج حب الدنيا ، وفخرها وعزها من القلب ، برياضات شاقة ، وتفكرات صحيحة ، ومجاهدات كثيرة ، فان القلب سلطان البدن ، وكلما استولى عليه يتبعه سائر الجوارح ، بل هو الحصن الذي كل حب استولى عليه وتصرف فيه ، يستخدم سائر الجوارح والقوى ، ويحكم عليها ، ولاتستقر فيه محبتان غالبتان ، كما قال الله عزوجل : ياعيسى لايصلح لسانا في فم واحد ولا قلبان في صدر واحد ، وكذلك الاذهان (١) وقال سبحانه : « ماجعل الله لرجل من قلبين في جوفه » (٢).
فالدنيا والآخرة ضرتان لايجتمع حبهما في قلب ، فمن استولى على قلبه حب المال لايذهب فكره وخياله وقواه وجوارحه إلا إليه ، ولا يعمل عملا إلا ومقصوده الحقيقي فيه تحصيله ، وإن ادعى غيره ، كان كاذبا ، ولذا يطلب
____________________
(١) راجع الكافي ج ٢ ص ٣٤٣ ، ثواب الاعمال ص ٢٤٠.
(٢) الاحزاب : ٤.