والجوارح كالرعايا والاتباع ، والمقصود من أعمالها حصول ثمرة القلب.
فلا تظن أن في وضع الجبهة على الارض غرضا من حيث إنه جمع بين الجبهة والارض ، بل من حيث إنه بحكم العادة يؤكد صفة التواضع في القلب ، فان من يجد في نفسه تواضعا فاذا استعان بأعضائه وصورها بصورة التواضع ، تأكد بذلك تواضعه ، وأما من يسجد غافلا عن التواضع ، وهو مشغول القلب بأغراض الدنيا فلا يصل من وضع جبهته على الارض أثر على قلبه ، بل سجوده كعدمه نظرا إلى الغرض المطلوب منه ، فكانت النية روح العمل وثمرته ، والمقصد الاصلي من التكليف به ، فكانت أفضل.
وهذا الوجه قريب مما ذكره الغزالي في إحيائه ، وهو أن كل طاعة تنتظم بنية وعمل ، وكل منهما من جملة الخيرات إلا أن النية من الطاعتين خير من العمل ، لان أثر النية في المقصود أكثر من أثر العمل ، لان صلاح القلب هو المقصود من التكليف ، والاعضاء آلات موصلة إلى المقصود ، والغرض من حركات الجوارح أن يعتاد القلب إرادة الخير ، ويؤكد الميل إليه ، ليتفرغ عن شهوات الدنيا ، ويقبل على الذكر والفكر ، فبالضرورة يكون خيرا بالاضافة إلى الغرض قال الله تعالى : « لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم » (١) والتقوى صفة القلب وفي الحديث إن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد.
العاشرأن نية المؤمن هي الباعثة له على عمل الخير ، فهي أصل العمل وعلته والعمل فرعها ، لانه لايحصل العمل ولا يوجد إلا بتصور المقصود الحقيقي والتصديق بحصوله ، وانبعاث النفس إليه ، حتى يشتد العزم ، ويوجد الفعل فبهذه الجهة هي أشرف ، وكذانية الكافر سبب لعمله الخبيث فهي شر منه.
الحادي عشر أن النية روح العمل ، والعمل بمثابة البدن لها ، فخيريته وشريته تابعتان لخيرية النية وشريتها ، كما أن شرافة البدن وخباثته تابعتان
____________________
(١) الحج : ٣٧.