صدق الانبياء عليهمالسلام في جميع ما أخبروا عنه إجمالا وتفصيلا على حسب نوره ، وبمقدار انشراح صدره ، وينبعث من قلبه داعية العمل بكل مأمور والاجتناب عن كل محظور ، فيضاف إلى نور معرفته أنوار الاخلاق الفاضلة والملكات الحميدة « نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم » (١) « نور على نور » (٢).
وكل عبادة تقع على وجهها تورث في القلب صفاء يجعله مستعدا لحصول نور فيه ، وانشراح ومعرفة ويقين ، ثم ذلك النور والمعرفة واليقين تحمله على عبادة اخرى وإخلاص آخر فيها ، يوجب نورا آخر وانشراحا أتم ، ومعرفة اخرى ويقينا أقوى ، وهكذا إلى ما شاء الله جل جلاله ، وعلى كل من ذلك شواهد من الكتاب والسنة.
ثم اعلم أن أوائل درجات الايمان تصديقات مشوبة بالشكوك والشبه ، على اختلاف مراتبها ، ويمكن معها الشرك « وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون » (٣) وعنها يعبر الاسلام في الاكثر « قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم » (٤) وأواسطها تصديقات لايشوبها شك ولا شبهة « الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا » (٥) وأكثر إطلاق الايمان عليها خاصة « إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون » (٦) وأواخرها تصديقات كذلك مع كشف وشهود وذوق وعيان ومحبة كاملة لله سبحانه ، وشوق تام إلى حضرته المقدسة « يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين
____________________
(١) التحريم : ٨.
(٢) النور : ٣٥.
(٣) يوسف : ١٠٦.
(٤) الحجرات : ١٤.
(٥) الحجرات : ١٥.
(٦) الانفال : ٢.