قيل أي محتملات لايتضح مقصودها إلا بالفحص والنظر ، ليظهر فيها فضل العلماء الربانيين في استنباط معانيها ، وردها إلى المحكمات ، وليتوصلوا بها إلى معرفة الله وتوحيده وأقول : بل ليعلموا عدم استقلالهم في علم القرآن ، واحتياجهم في تفسيره إلى الامام المنصوب من قبل الله ، وهم الراسخون في العلم ، وروى العياشي عن الصادق عليهالسلام أنه سئل عن المحكم والمتشابه فقال : المحكم مايعمل به والمتشابه ما اشتبه على جاهله ، وفي رواية اخرى والمتشابه الذي يشبه بعضه بعضا ، وفي رواية اخرى فأما المحكم فتؤمن به وتعمل به وتدين به ، وأما المتشابه فتؤمن به ولاتعمل به (١).
« فأما الذين في قولبهم زيغ » أي ميل عن الحق كالمبتدعة « فيتبعون ما تشابه منه » فيتعلقون بظاهره أو بتأويل باطل « ابتغاء الفتنة » أي طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك والتلبيس ، ومناقضة المحكم بالمتشابه ، وفي مجمع البيان عن الصادق عليهالسلام أن الفتنة هنا الكفر « وابتغاء تأويله » أي وطلب أن يأولوه على ما يشتهونه « وما يعلم تأويله » الذي يجب أن يحمل عليه « إلا الله والراسخون في العلم » الذين تثبتوا وتمكثوا فيه.
وأقول : قدمر الكلام منا في تأويل هذه الاية في كتاب الامامة في باب الراسخين في العلم هم الائمة عليهمالسلام (٢).
قوله عليهالسلام : « فالمنسوخات من المتشابهات » كأن هذا الكلام تمهيد لما سيأتي من اختلاف الايمان المأمور به في مكة قبل الهجرة وفي المدينة بعدها و اختلاف التكاليف فيهما كما وكيفا ، ردا على من استدل ببعض الايات على أن الايمان نفس الاعتقاد بالتوحيد والنبوة فقط ، بلا مدخلية للاعمال أو الولاية فيه بأن تلك الايات أكثرها نزلت في مكة ، وكان الايمان فيها نفس الاعتقاد بالشهادتين أو التكلم بهما ثم نسخ ذلك في المدينة بعد وجوب الواجبات ، وتحريم المحرمات
____________________
(١) العياشى ج ١ : ١٦٢.
(٢) راجع ج ٢٣ ص ١٨٨ ـ ٢٠٥ من هذه الطبعة.