جنائبهم ، صوتت رواحلهم بأصوات لم يسمع السامعون بأحسن منها ، وأظلتهم غمامة فأمطرت عليهم المسك والرادن وصهلت خيولها بين أغراس تلك الجنان ، وتخللت بهم نوقهم بين كثب الزعفران ، ويتطأ من تحت أقدامهم اللؤلؤ والمرجان ، واستقبلتهم قهارمتها بمنابر الريحان ، وتفاجت لهم (١) ريح من قبل العرش فنثرت عليهم الياسمين والاقحوان ، وذهبوا إلى بابها فيفتح لهم الباب رضوان ، ثم سجدوا لله في فناء الجنان فقال لهم الجبار : ارفعوا رؤوسكم فاني قد رفعت عنكم مؤنة العبادة ، وأسكنتكم جنة الرضوان.
فان فاتك يا أحنف ما ذكرت لك في صدر كلامي لتتركن في سرابيل القطران ولتطوفن بينها وبين حميم آن ، ولتسقين شرابا حار الغليان في أنضاجه ، فكم يومئذ في النار من صلب محطوم ، ووجه مهشوم ، ومشوه مضروب على الخرطوم قد أكلت الجامعة كفه ، والتحم الطوق بعنقه.
فلو رأيتهم يا أحنف ينحدرون في أوديتها ، ويصعدون جبالها ، وقد البسوا المقطعات من القطران ، واقرنوا مع فجارها وشياطينها ، فاذا استغاثوا بأسوء أخذ من حريق شدت عليهم عقاربها وحياتها ، ولو رأيت مناديا ينادي وهو يقول : يا أهل الجنة ونعيمها ويا أهل حليها وحللها ، خلدوا فلا موت ، فعندها ينقطع رجاؤهم و تنغلق الابواب ، وتنقطع بهم الاسباب ، فكم يومئذ من شيخ ينادي : واشيبتاه! و كم من شاب ينادي واشباباه! وكم من امرأة تنادي وافضيحتاه ، هتكت عنهم الستور ، فكم يومئذ من مغموس ، بين أطباقها محبوس ، يا لك غمسة ألبستك بعد لباس الكتان ، والماء المبرد على الجدران ، وأكل الطعام ألوانا بعد ألوان لباسا لم يدع لك شعرا ناعما كنت مطعمه إلا بيضه ، ولا عينا كنت تبصر بها إلى حبيب إلا فقأها ، هذا ما أعدالله للمجرمين ، وذلك ما أعد الله للمتقين (٢).
__________________
(١) في المصدر : وهاجت.
(٢) صفات الشيعة ص ١٨٣.