نفس همام عما ورد عليه من خوف الله ورجائه وأيضا فإنه عليه السلام كان متصفا بهذه الصفات لم يفقدها حتى يتحسر على فقدها.
قيل ولم يجب عليه السلام بمثل هذا الجواب لاستلزامه تفضيل نفسه أو لقصور فهم السائل وهذا قريب من الأول لكن الأول أظهر لأنه عليه السلام أشار إلى الفرق إجمالا بأن الآجال منوطة بالأسباب والأسباب في المواد مختلفة فيمكن أن يؤثر في بعض المواد ولا يؤثر في بعضها.
الثالث أن يكون المعنى أن قولنا هكذا تصنع المواعظ على تقدير كون هكذا إشارة إلى الموت ليس كليا بل المراد أنه قد تصنع ذلك إذا صادف قلة ظرف سامعه أو غير ذلك وليس سببا مستقلا للموت بالنسبة إلى أهلها فإن لكل أحد أجلا منوطا بأسباب ودواعي ومصالح والوجوه الثلاثة متقاربة.
وقيل يمكن أن يكون كلام السائل مبنيا على أن هكذا إشارة إلى الإماتة وحاصل الجواب حينئذ التنبيه على بطلان هذا التوهم وأن المشار إليه التأثير الكامل كما مر.
وعلى الثاني حاصل الجواب أني لم أكن أعلم أنه يفعل به ما فعل والخوف يحصل بمحض الاحتمال ومحض الاحتمال لا يكفي لترك بيان ما أمر الله ببيانه.
كما قال ابن ميثم :
إن قيل كيف جاز منه عليه السلام أن يجيبه مع غلبة ظنه بهلاكه وهو كالطبيب يعطي كلا من المرضى بحسب احتمال طبيعته من الدواء قلت إنه لم يكن يغلب على ظنه إلا الصعقة عن الوجد الشديد فأما أن تلك الصعقة فيها موته فلم يكن مظنونا له انتهى.
أقول : ويحتمل أن يكون المراد أن هذا كان أجلا مقدرا له ولا يمكن الفرار من الأجل المقدر بترك ما أمر الله به كما قال تعالى « قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ » (١) على بعض التفاسير
__________________
(١) آل عمران : ١٥٤.