منها بل يبقى بينها فضاء فأما الشكل المستجمع لكلتا المنفعتين فليس إلا المسدس وذلك لأن زواياها واسعة فلا يبقى شيء من الجوانب فيه معطلا وإذا ضمت المسدسات بعضها إلى بعض لم يبق فيما بينها فرجة ضائعة فإذا ثبت أن الشكل الموصوف بهاتين الصفتين هذا المسدس لا جرم اختار النحل بناء بيوتها على هذا الشكل ولو لا أنه تعالى أعطاها من الإلهام والذكاء لما حصل هذا الأمر وفيه أعجوبة ثانية وهي أن البشر لا يقدر على بناء البيت المسدس إلا بالمسطر والبركار والنحل يبني تلك البيوت من غير حاجة إلى شيء من الآلات والأدوات. واعلم أن عجائب أحوال النحل في رئاسته وفي تدبيره لأحوال الرعية وفي كيفية خدمة الرعية لذلك الرئيس كثيرة مذكورة في كتاب الحيوان.
الثالث : أن النمل يسعى في إعداد الذخيرة لنفسها وما ذاك إلا لعلمها بأنها قد تحتاج في الأزمنة المستقبلة إلى الغذاء ولا تكون قادرة على تحصيله في تلك الأوقات فوجب السعي في تحصيله في هذا الوقت الذي حصلت فيه القدرة على تحصيل الذخيرة ومن عجائب أحوالها أمور ثلاثة أحدها أنها إذا أحست بنداوة المكان فإنها تشق الحبة بنصفين لعلمها بأن الحبة لو بقيت سالمة ووصلت النداوة إليها لنبت منها وتفسد الحبة على النملة أما إذا صارت مشقوقة بنصفين لم تنبت وثانيها إذا وصلت النداوة إلى تلك الأشياء ثم طلعت الشمس فإنها تخرج تلك الأشياء من جحرها وتضعها حتى تجف وثالثها أن النملة إذا أخذت في نقل متاعها إلى داخل الجحر أنذر ذلك بنزول الأمطار وهبوب الرياح وهذه الأحوال تدل على حصول ذكاء عظيم لهذا الحيوان الصغير.
الرابع : أن العنكبوت تبني بيوتها على وجه عجيب وذلك لأنها ما نسجت الشبكة التي هي مصيدتها إلا بعد أن تفكرت أنه كيف ينبغي وضعها حتى يصلح لاصطياد الذباب بها وهذه الأفعال فكرية ليست أقل من الأفكار الإنسانية.
الخامس أن الجمل والحمار إذا سلكا طريقا في الليلة الظلماء ففي المرة الثانية يقدر على سلوك ذلك الطريق من غير إرشاد مرشد ولا تعليم معلم حتى أن